Saturday, June 27, 2015

كن جديراً بالثقة

كن جديرا بالثقة
يقول دانيال جولمان في كتابه " الذكاء العاطفي " – وهو من أهم الكتب التي ظهرت في العشرين سنة الأخيرة وأكثرها مبيعاً – أن نجاحنا في الحياة يعتمد على الذكاء العاطفي بأكثر مما يعتمد على الذكاء الحسابي – والذي يقيسه إختبار حاصل الذكاء (IQ) , وفي بداية السلم الوظيفي يكون الذكاء العاطفي أهم مرتين من الذكاء الحسابي , أما في المستويات الإدارية الوسطى فيكون أهم بمقدار أربع أو خمس مرات , وفي مستويات الإدارة العليا ورئاسة الشركات والمنظمات فتفوق أهمية الذكاء العاطفي لدى الناجحين في أعمالهم أهمية الذكاء الحسابي بمقدار من عشرة إلى عشرين ضعفا , ولذلك أصبح عالم الأعمال شديد الإهتمام بقياس هذا الذكاء في المتقدمين لشغل أي وظيفة – وبالذات وظائف الإدارة العليا – باختبار أصبح يعرف بالرمز (EQ) (Emotional Quality).
فما هو الذكاء العاطفي هذا ؟ وهل يمكن تحسينه والتدريب عليه ؟
الذكاء العاطفي باختصار هو إدارة مشاعرنا بذكاء , ويبدأ بإدراك هذه المشاعر وأسبابها وتأثيرها علينا وعلى الغير , ثم يمر على التحكم في هذه المشاعر وعدم تركها لتتحكم فينا , وينتهي بقدرتنا – عاطفيا – على تحفيز أنفسنا لتحقيق أهدافنا مهما كانت الصعوبات التي تواجهنا , وهذا هو الجانب الشخصي في الذكاء العاطفي , أما الجانب الإجتماعي فيبدأ بحسن فهم الآخرين بالإنصات إليهم بتعاطف , وفهم رسائلهم غير اللفظية , وينتهي بجدارات الذكاء الإجتماعي الثمانية : التأثير / والتواصل / وإدارة النزاع / والقيادة / وأن تكون محفزا للتغيير/ وبناء الروابط / والتعاون والتآزر / والقدرة على العمل في مجموعة ، الذكاء العاطفي عند جولمان خمسة وعشرون جداره.
فما هي الجدارات ؟
الجدارات مثلها مثل المهارات ولكنها ليست ظاهرة كالمهارات وإنما يظهر منها تأثيرها , وهي نوع من السمات الشخصية التي تميز شخصا عن آخر , واستكمالا لتعريف الذكاء العاطفي فهو كما بيَّن له ركنان : شخصي واجتماعي , الركن الشخصي له ثلاث جوانب : الأول حسن إدراك الذات , وله ثلاث جدارات منها الثقة بالنفس , والثاني التحكم في الذات وله خمس جدارات منها الجدارة بالثقة وجدارة تحمل المسئولية , والثالث القدرة على تحفيز الذات وله أربع جدارات ومنها أن تدفع نفسك دائما للإنجاز مع المبادرة في العمل وأن تسلك دائما أمثل السبل .
والركن الإجتماعي وله جانبان : حسن فهم الآخرين والتعاطف معهم وله خمس جدارات ، ثم جدارات الذكاء الاجتماعي الثمانية التي ذكرناها سابقا , إذاً مجموع هذه الجدارات كلها خمس وعشرون جدارة , ولا يحتاج المرء إلا إلى نصفها حسب نوع الوظيفة التي يؤديها , فكل وظيفة تحتاج من 12-15 جدارة , ولو تحصَّل المرء على عشر جدارات منها لأصبح نجماً من نجوم الأداء , ولا يكون أدائه جيدا إلا إذا كان لديه ست جدارات منها على الأقل , وهذه الجدارات يمكن قياسها بدقة باختبار (EQ), ويمكن تحسينها بالتدريب والخبرة كثيرا , وهي في هذه الناحية مختلفة عن الذكاء الحسابي الذي لا يتحسن كثيرا بالتدريب , فاختبار حاصل الذكاء (IQ) الذي إفتتن الأمريكيون به منذ عشرينات القرن الماضي - تتراوح درجاته ما بين 100-120 للذكاء المتوسط , ومن 120 – 140 للذكاء الجيد , وفوق 140 للذكاء العالي , وصولاً إلى الذكاء الخارق فوق 160, ونتيجة حاصل الذكاء لا يمكن للمرء تحسينها إلا في حدود 10% مهما تدرب أو قرأ , أما جدارات الذكاء العاطفي فيمكن اكتسابها إذا لم تكن موجودة , ويمكن تحسينها على مدى سنوات العمر واكتساب الخبرة , وهذا ما يسمى بالنضج , ويمكن التدريب عليها ( بل ويجب التدريب عليها ) وتحسينها تحسينا كبيرا , لأن نجاحنا في الحياه يعتمد عليها , وهذا ليس رأي دانييل جولمان , ولكنه نتيجة دراسات على عشرات الألاف من العاملين في مختلف الشركات , والذين في مختلف المستويات الإدارية في مختلف بلاد العالم .
وهنا نقطة لا بد من تسجيلها قبل المضي قدما في ما أنتويه من كتابة هذا المقال , وهي كيفية استقبال الشعوب الحية للجديد في العلم , فقد صدر كتاب الذكاء العاطفي سنة 1990 ,ثم اتبعه جولمان بكتاب العمل بالذكاء العاطفي سنة 1998 , وكتب في مقدمة الطبعة الخامسة للكتاب الأول - بعد عشر سنوات من صدور الطبعة الأولى – أنه مذهول من رد الفعل الذي أحدثه كتابه , وبالذات في مجالين هما التعليم وعالم الأعمال , ففي التعليم بادرت كثير من المدارس إلى تدريس الذكاء العاطفي طالما أنه هو الذي سيفرِّق بين الناجحين في الحياه العملية وبين الأقل نجاحاً , ووضعت الإدارة التعليمية في ولاية مثل ولاية إلينوي الأمريكية توجيهات إرشادية عما يمكن أن يدرِّس في بداية المرحلة الإبتدائية (من مستوى (1) إلى مستوى (6))  وما يمكن أن يدرِّس في الثلاث مستويات التالية (المرحلة الإعدادية عندنا) , وما الذي يمكن أن يدرس في الثلاث مستويات التي تليها ( مرحلة الثانوي ) من جدارات الذكاء العاطفي  .
ولكن ما أذهل المؤلف حقيقة هو سرعة إدراك عالم الأعمال لأهمية هذا الذكاء العاطفي للنجاح في الحياة العملية , وبالذات في الأوقات التي يكون فيها التغيير سريعا وشاملا وحادا , مثل ما يحدث في سوق الأعمال عالمياً منذ نهاية السبعينات , بحيث أنه سرعان ما بدأت الشركات والمنظمات في عمل إختبارات ذكاء عاطفي (EQ) ، ليس للمتقدمين للعمل فيها فحسب وإنما لكل من سيتم ترقيته كذلك , حتى يعرف هو نقاط قوته ونقاط ضعفه فيعمل على تحسينها , وليعرف كذلك صاحب العمل أو رئيسه في العمل هذه النقاط , فيُحسن إستغلال نقاط القوة بوضعه في الوظيفة التي تعظم استخدامها , ويعمل مع الموظف على تحسين نقاط ضعفه أو على الأقل السيطرة عليها حتى لا يضعف الأداء العام للشركة أو المنظمة , لأن البقاء في السوق أصبح للأفضل أداءا , ولم بعد هناك مكان لمتوسطي الأداء .
فأين شعوب العالم النائم من هذه الشعوب الحية التي أدركت أهمية الذكاء العاطفي وتحركت بسرعة كبيرة بحيث أنه في خلال عشر سنوات أصبحت جدارته تدرس في المدارس , وتقاس عند الإلتحاق بالعمل وعند الترقية .
ما هو موقف شعوب العالم النائم ؟
كم منا سمع عن الذكاء العاطفي وأدرك أهميته ؟ وكم هي نسبة المدارس التي بدأت في تدريسه ؟ وكم نسبة الشركات والمنظمات التي تقيس هذا الذكاء لدى موظفيها ؟ وبالذات عند الترقية لمستويات الإدارة العليا , حيث تصبح أهميته عشرة أو عشرين ضعف الذكاء الحسابي (IQ) , أشهد أنني رأيت من ست سنوات إختبارا أجري لأفضل خمسة متقدمين لشغل وظيفة مدير مشروعات في شركة بن لادن بالسعودية , وهو إختبار كان يقيس الذكاءات السبع : الإثنان اللذان نتعلمهما في المدارس والجامعة وهما الذكاء الحسابي (IQ) والقدرات اللغوية والخمسة الخاصة بالذكاء العاطفي , وكذلك أخبرني مدير عام بشركة عبد اللطيف جميل ( تويوتا السعودية ) أن شركته تستأجر شركة أمريكية لعمل هذه الإختبارات لمن سيتم ترقيتهم .
ولكن استئجار شركة أمريكية لعقد اختبارات الذكاء العاطفي شئ , واهتمام المجتمع كله بها تدريسا وتوظيفاً لزيادة فرص النجاح شئ آخر , عموما نتمنى أن تفيق مجنمعاتنا العربية من غفلتها , وألا يصدق فيها قول جولدا مائير "العرب لا يقرأون , وإذا قرأوا لا يفهمون , وإذا فهموا لا يعملون بما فهموه".
والآن عودة إلى الجدارة التي نحن بصددها في هذا المقال وهي الجدارة بالثقة , فما معنى الجدارة بالثقة ؟ وكيف تكون جديراً بثقة كل من يتعامل معك ، أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال سهلة , لأن موضوع الذكاء العاطفي برمَّته ليس جديداً كلية , وإنما ترتيب الأمور وعرضها هو الجديد , ولكن من قديم الزمن وفي مختلف الحضارات والثقافات من المعروف أن النجاح في العمل – وفي الحياه عموما – يحتاج إلى أمور من أهمها أن تكون جديرا بالثقة , فكيف تكون جديرا بالثقة , أولا أن تتحلى بعكس صفات المنافق , فالمنافق فيه أربع خصال " إذا وعد أخلف , وإذا حدث كذب , وإذا خاصم فجر , وإذا ائتمن خان " ، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم " أربع من كن فيه كان منافقا خالصاً , ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها , إذا حدث كذب , وإذا ائتمن خان , وإذا عاهد غدر , وإذا خاصم فجر " , وبذلك تكون الجدارة بالثقة نابعة من :
الوفاء بالوعد , والصدق في الحديث , والإنصاف عند الخصومة , والأمانة والبعد عن كل صور الخيانة .
وإسلامنا يهتم كثيراً بهذه الخصال والأخلاق المؤدية إليها , لأنه كما قال الرسول الكريم صلى لله عليه وسلم عن مهمته التي بعث من أجلها " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق " ( رواه مالك )
ويقول الله تعالى عن هذه الخصال الأربعة :
الأولى " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا " (الإسراء :34)
والثانية " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" (التوبة :119)
ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا " (رواه البخاري)
الثالثة  " ولا يجرمنكم شنئان قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " (المائدة :8)
وعن الرابعة : يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " (رواه الشيخان)
ويقول الله تعالى " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً " (النساء :58)
فهل هذه الخصال الأربعة فقط هي التي تجعل الإنسان جديراً بالثقة ؟
لا, فهناك صفات أخرى مهمة مثل أن يصدَّق قولك عملك , يقول الله تعالى " { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } (سورة الصف 2 - 3) , ولذا يقول علماؤنا الأجلاء إن عمل رجل في ألف رجل خير من مقالة ألف رجل لرجل , فالأهم من النصح والوعظ من أن يكون حالك مصدقا لما تنصح به , ولذلك يقول نبي الله شعيب في سورة هود " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت " ، فلا يعقل أن يأمر المصلح الناس بالبر ولا يأتيه أو ينهاهم عن المنكر ويأتيه , وكذلك الرجل / المرأة الجدير بالثقة .
وكذلك من صفات الجدير بالثقة أن يكون ثابتاً على الحق , كما يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ) "رواه الشيخان" , وأن يكون له كود قائم على المبادئ لا يخالفها قط , حتى لو أدى ذلك إلى فقده لوظيفته , أما الذي يتلون ويغيير مبادئه حسب مصالحه وحسب اتجاه الريح فليس جديراً بالثقة , والثبات على الحق والعيش وفقاً للمبادئ لخَّصته آية في سورة الأحزاب " { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } (الآية 23).
ويقول علماء التفسير أن كلمة رجال هنا تعني صفة الرجولة ولا تعني الذكورة , وإنما تنطبق على الرجال والنساء الذين لديهم هذه الصفة , فلكي تكون جديرا بالثقة فلا بد أن تكون رجلا بكل معنى الكلمة في أصعب المواقف , والرجال قليلون في هذا الزمان .
هذه بعض الصفات لكون المرء جدير بالثقة , فكيف ننمي هذه الجدارة لدينا ولدى أولادنا في المقام الأول ، لا شك أن إسلامنا هو السبيل إلى ذلك , فكل الخصال والسمات التي يحتاجها المرء لكي يكون جديرا بالثقة ليست موجودة في الإسلام فحسب , وإنما الإسلام يحث عليها حثاً ويحض عليها حضاً , ولكن لا بد أن ننبه هنا أنه ليس بالكلام وحده يصل المرء إلى أن يكون جديرا بالثقة , ولكنه يجب أن يحيا بهذه الصفات السبعة التي ذكرناها , ولا يحيد عنها قط , لأن الجدارة بالثقة يصعب إكتسابها ويسهل جدا فقدها عن أول حيود عنها , فيقول جولمان في هذا أن الخطأ الذي يرتكبه مندوبو المبيعات وكثير من العاملين  في شركات الخدمات هو أنهم يظنون أنهم يمكن أن ينجحوا عن طريق الخديعة ,  فيستعملون مهاراتهم في الكلام والإقناع في تمرير صفقات يخدعون فيها بعض العملاء, وعندنا ناس تسمي هذا " شطارة في البيع " ولكن جولمان يقول أن هذه إستراتيجية سيئة فقد تنجح في المدى القصير , أما إذا أراد مندوب المبيعات أو شركة الخدمات أن يكون لهم عملاء دائمون فلا بد أن يحافظوا على مبادئ الأمانة والنزاهة والوفاء بالوعد والتعهدات , هذه هي الإستراتيجية التي تضمن النجاح على المدى الطويل.
وحتى لو أخذنا الأمور من الوجهه المادية البحتة , ومن وجهة نظر " أن العمل هو العمل " (business is business) فإن الجدارة بالثقة بكل صفاتها السبعة هي التي تؤدي للنجاح على المدى الطويل , أما الشطارة ومحاولة الخديعة والكلام المعسول فكل هذا لا يؤدي إلا إلى نجاحات قصيرة لا تدوم , وعندما كان هناك يهود في مصر كان كبار رجال الأعمال من اليهود - مثل صيدناوي وشيكوريل وحلاوة – وكان معروفاً عنهم أن كلمتهم أقوى من أي عقد , لماذا ؟ لأن اليهود يعرفون أن الوفاء بالكلمة هو سر النجاح في السوق , لأنه صفة من الصفات التي تجعلهم جديرون بالثقة , ليس هذا فقط وإنما كانوا حريصين أشد الحرص على الصدق مع العميل , وعدم محاولة خديعته بأي شكل , ولا حتى زيادة السعر عن عميل آخر , وعندما كان أحد الباشاوات يطلب هدية من المجوهرات لزوجته في عيد ميلادها كانوا يرسلون تشكيلة من المجوهرات , ويتركونها دون إيصال ثقة منهم في عملائهم , ولذا كان العملاء يعاملون هذه الثقة بثقة مقابلة .
فالجدارة بالثقة هامة للنجاح في العمل من وجهة النظر الإسلامية ومن وجهة نظر السوق الذي يعلي قيمة التاجر الصدوق الأمين حتى ولو لم يكن مسلماً , أما الغش التجاري أو موضوع أن السوق سوق سعر , أي أن تخفيض ثمن السلعة ممكن بتخفيض جودتها ومواصفاتها دون إعلان ذلك للمستهلك فسوف يؤدي إلى فقد " السمعة" , والسمعة هي الوجه الآخر من وجهي العملة , إذا كان وجهها الأول هو الجدارة بالثقة , فالموظف – وليس التاجر فحسب – الذي تسبقه سمعته إلى وظيفته الجديدة في شركة من الشركات يسهل عليه إدارة العاملين معه , لأنه يبدأ بداية قوية حيث يضعه هؤلاء العاملين في موضع عال لأن سمعته في عمله السابق سبقته إلى عمله الجديد

فهل الجدارة بالثقة والسمعة الحسنة مطلوبتان في مجال الأعمال فقط ؟ , الحقيقة أنهما مطلوبتان في مجال الدعوة أكثر , فكما ذكرنا لا يمكن أن يأمر الداعية الناس بالمعروف ولا يأتيه أو ينهاهم عن المنكر ويأتيه , لأن ذلك سيقوض مصداقيته لدى الناس , وهذه المصداقية هي الوجه الثالث للعملة , فالجدارة والسمعة الطيبة والمصداقية هي ثلاث أوجه للعملة (إذا كان يمكن أن يكون للعملة ثلاث أوجه !!) .
وقد كانت أهم صفات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عند قومه أنه الصادق الأمين , ولم يكن يشك عتاولة المشركين في صدقه ولكنه الكبر الذي صرفهم عن الاستجابة له , كما قال الله تعالى " ولكنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " ( الأنعام:33) , فالصدق والأمانة يجب أن تتوفر لدى الداعية وأن يشيع ذلك بين الناس , بحيث تصبح سمعته أنه الصادق الأمين ، وهذا مهم جداً , لأن هذه هي سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة , يقول الله تعالى في آخر سورة يوسف مخاطباً رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين " ( يوسف : 108) , فسبيل رسول الله في الدعوة هو الصدق والأمانة) ، وهما أهم صفتان فيمن يريد أن يكون جديراً بالثقة.
ثم يقول الله تعالى ممتدحاً رسوله إسماعيل " ... إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً " ( مريم:54) , وهي صفة أخرى للدعاه الجديرين بالثقة , ثم يصف الله تعالى نبيا آخر وهو سيدنا موسى " واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصاً وكان رسولاً نبياً "  وهي صفة رابعة في الدعاه الجديرين بالثقة , ويقول سبحانه وتعالى واصفا ثبات سيدنا نوح وإصراره في سورة نوح " { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا } (سورة نوح 5 - 9) " فانظر إلى الثبات على الحق والإصرار عليه , رغم أنه كان يُحكى عنه ( عليه وعلى نبينا السلام ) أن الرجل من قومه كان إذا حضره الموت يطلب من أبنائه أن يحملوه إلى سيدنا نوح ثم يوصيهم أمامه ألا يؤمنوا به بعد أن يموت أبدا , ومع ذلك ظل سيدنا نوح ثابتا على الحق تسعمائة وخمسن سنة , فإذا لم يكن هذا هو الثبات فما هو ؟
نسأل الله أن يرزق الدعوة برجال ( ذكوراً وإناثاً ) جديرين بالثقة , سمعتهم طيبة , ولهم مصداقية عالية , هؤلاء الذين يصدقون الله ما عاهدوه عليه ولا يبدلوا تبديلا , هؤلاء الذين لا يقولون ما لا يفعلون ولا يحتالون , ولا يبررون فشلهم بالظروف , وليس عندهم أن الغاية تبرر الوسيلة , ولكن لا بد أن تكون الغاية والوسيلة كلتاهما شرعيتان , ومهما طال الوقت يثبتون على الحق أمام العواصف العاتية وأمام الظلم الافدح , ولا يغيرون ولا يتغيرون ولا يبدلون ولا يحرفون وعلى العهد ثابتون ، يعضون على جذع الشجرة مهما تغير الناس ولا يزيغون عن الحق أبدا ، على أمثال هؤلاء – وليس على أمثالنا – يتنزل النصر ويتحقق التمكين .
ولذلك لا بد من العمل على إيجاد هؤلاء الجديرون بالثقة وزيادة عددهم في المجتمع ، مع تسليط الضوء عليهم ليكونوا قدوة لغيرهم , ولكي يتم ذلك لا بد أن نمضي في عدة خطوات متوازية :
أولا : تربية النشء على هذه الصفات السبعة , والتربية هي : مربي ومتربي ومنهج تربوي ومحضن تتم التربية فيه , والتربية هنا لا بد لها من قدوة صالحة , فلا يركز الإعلام على الفنانين والفنانات ولاعبي الكرة , وإنما يركز على نماذج الناس الجديرين بالثقة وما أكثرهم .
ثانيا : متابعة من تم تربيتهم وظيفيا , للتأكد من أنهم يطبِّقون ما تربوا عليه , وأنهم صامدون أمام الإغراء أو الضغوط .
ثالثاً : دعم الصفات الخلقية السبعة اللازمة لوصول المرء إلى أن يكون جديرا بالثقة , ودعمها يكون بالتركيز عليها في التربية الخلقية في المدرسة ثم الجامعة , ثم التركيز عليها في الإعلام , والإحتفاء بالنماذج الناجحة من الذين أظهروا مستوى مرتفعا من الجدارة بالثقة , والسعي إلى إختيارهم دائما في الوظائف الإدارية العليا.
رابعاً : محاربة كل ما من شأنه تشكيل ضغوط سيئة وإغراءات مدمرة تؤدي إلى إنحراف البعض , وتعرض البعض الآخر لشبهة الخضوع للضغوط أو الإغراء ، أي مطلوب جهد جماعي من الدولة ومن المدرسة ومن البيت .
وكما أسلفنا فإنا تفشي ظاهرة الجدارة بالثقة هام جداً لنجاح الناس في الحياة وفي العمل , وهذه الجدارة هامة بنفس القدر للنجاح داخل الأسرة , لأن المرأة تحتاج إلى من يكتسب ثقتها ثم حبها , ولا يمكن أن ينجح الزوج أمام زوجته وأولاده إذا كان لا يحصل على ثقتهم الكاملة , وكذلك فالثقة بالدولة ككل أو على الأقل بشركاتها ومؤسساتها الكبرى ضروري للنهضة , وهو الذي سيجذب رؤس الأموال الخليجية والدولية .
نسأل الله أن يمنحنا هذه الجدارة , ويساعدنا على تنميتها في أنفسنا وأولادنا  وأن يجعلنا نتأسى بأكثر أهل الأرض جدارة بالثقة صلى الله عليه وسلم ، وأن يجعلنا دائماً نختار الجديرين بالثقة في الوظائف العامة العليا اللهم آمين .

أ.د/ شريف أبو المجد
سجن استئناف طرة أبريل 2015


Wednesday, June 17, 2015

حكاية أيرلندية ( ما معنى الشرعية ؟!!)

حكاية أيرلندية (ما معنى الشرعية ؟!!)
إنها حقاً حكاية أيرلندية ، مترجمة بدون تصرف من كتاب " دافيد وجولياث ،  لمالكوم جلادويل ، وعنوان الكتاب يعنى عندنا  "داوود (عليه السلام ) وجالوت" ، والحكايه عن أوقات الاضطرابات الشديدة فى أيرلندا الشماليه أواخر الستينات وأوائل السبعينات .
وتبدأ الحكايه بعروس شابة لا يتعدى عمرها تسعة عشرة عاماً اضطرت للهروب هى وزوجها وطفلها الرضيع من الحى الذى كانت تسكن فيه إلى الحى الذى كان يسكن فيه أبوها ويسمى " بالليمير فى " لأن كل سكانه كانوا من الكاثوليك ، وقد أدى إلى الاستقطاب الحاد الذى حدث وقتها إلى تعرض الكاثوليك - مثل أسرتها – إلى مخاطر جمة إذا استمروا فى العيش فى حى الكاثوليك فيه أقلية ، وقد كان الوضع بين الكاثوليك والبروتسانت مأسوياً لدرجة استخدام الأسلحة فى قتل المتظاهرين من الطرفين ، لدرجة إحراق الكنائس والبيوت  .وفى بداية السبعينات - فى عيد الفصح – إنتشر الشغب فى حى " بالليمير فى " لدرجه استدعت أن ينزل الجيش البريطانى إلى الشوارع لحفظ الأمن ، ثم تم فرض حظر التجول على حى اخر للكاثوليك يسمى " لوار فالز " بحيث اصبحت الأسر لا تجد لبناً ولا خبزاً لأطفالها ، لأنه ممنوع الخروج من المنزل لأى سبب .
وفى نفس العام الذى انزلقت فيه أيرلندا الشماليه إلى الفوضى كتب اثنان من شباب الاقتصاديين تقريراً لمنظمة ( راند)* الأمريكية – هما ليتيس ووولف – وكان التقرير حول اسلوب مواجهه الخروج الجماعى عن القانون ، وحمل التقرير عنوانا هو: “التمرد والسلطه "، وفى هذه الأيام كان العالم يموج بالتمرد ، يستوى فى ذلك العالم الثالث والعالم الأول ( مثلاً مظاهرات  الطلاب فى فرنسا 1969) ، ولذلك قرأ هذا التقرير الكثير من المسئولين فى مختلف دول العالم ، وصار هذا التقرير هو الرسم المبدئى للحرب فى فيتنام وفى التعامل مع أحداث أيرلندا الشمالية ، وفى كيف تعاملت أقسام البوليس فى العالم الاول مع القلاقل المدنيه ، وكيف تعاملت الحكومات مع الارهاب ، وقد كانت الخلاصه والاستنتاجات في هذا التقرير بسيطة :
"إن من أساسيات التحليل الذى قمنا به هو فرضيه أن عموم السكان – كأفراد وكمجموعات -يتصرفون بطريقه راشدة تقوم على حسابات المكسب ، والخسارة لدرجة أنه يمكن ربطها بمختلف أساليب رد الفعل التى سيقومون بها ، ونتيجة لذلك فإن الفوضي عندما تحدث فإن التأثير على تصرفات الجماهير لا تحتاج إلى التعاطف ولا إلى الضبابيه (mysticism) ،ولكنها تحتاج إلى فهم افضل للمكاسب والخسائر التى يأخذها الافراد أو الجماعات فى اعتبارهم قبل أن يقوموا بتصرف معين خارج عن المعتاد"
وقد كان معنى هذا الاستنتاج هو أن كيفية التحكم فى المظاهرات أو العمل الجماهيرى هى مسأله حسابيه ، فإذا كانت هناك احتجاجات فى شوارع بلفاست ( عاصمه أيرلندا الشماليه ) مثلاً فإن ذلك يكون بسبب أن تكلفة مايقوم به المحتجون من تكسير النوافذ و حرق المنازل ليس كبيرا لدرجة تمنعهم من ذلك .
وعندما كتب ليتيس وولف "التأثير على تصرفات الجماهير لا تحتاج إلى الفوضى أو الضبابية " كان ما يعنياه هو أنه لا شئ يهم سوى الحسابات المجردة ، فلو كنت فى موقع القوة فإنك لا تحتاج إلا أن تكون حازماً بما يكفى لتجعلهم يفكرون مرتين قبل أن يفعلوا ما يفعلونه .

 


*مؤسسه راند هى مؤسسه لها وضع خاص ، أنشأها البنتاجون الأمريكى بعد الحرب العالميه الثانيه لدراسة ورصد انتشار الشيوعية والحركات القومية وعمل الدراسات الخاصة بالتعامل معها ، وهى تسمى مجموعه تفكير (think tank) ولكن عملها مخابراتى فى المقام الاول .
وقد قرأ الجنرال البريطانى المسئول عن القوات فى بلفاست وكان اسمه ايان فريلاند التقرير واقتنع بما فيه ،  وتاريخه العسكري أنه حصل على نوط الخدمه بإمتياز فى نورماندى فى نهايه الحرب العالميه الثانيه ، وبعد ذلك ساهم فى القضاء على الاحتجاجات فى قبرص وزنزبار ( وهي تعد موجودة بهذا الإسم الآن ) ، وكان رفيعاً مستقيم الظهر ، وكان يعطى الإنطباع بأنه الرجل الذى يعرف ما ينبغى فعله فى المواقف الحرجه ولن يتردد فى أن يفعله ، وعندما وصل إلى أيرلندا الشمالية أظهر بوضوح أن صبره كاد ينفذ ، وأنه لا يخشى استخدام القوة ، وكانت لديه أوامره من رئيس الوزراء مباشرة كالتالي:  
"الجيش البريطانى يجب أن يتعامل بحزم وقوة – ويجب أن يُرى أنه يتعامل بحزم وقوة ــ مع البلطجية والذى يستعملون السلاح" .
وفى 30 يونيو سنه 1970 وصل للجيش البريطانى معلومة بأن هناك أسلحة ومتفجرات فى المنزل رقم 24 فى شارع البلقان فى حى " لوار فالز " ، فأصدر فريلاند مباشرة تعليماته فهاجمت خمس سيارات جيش مملوءه بالضباط والجنود هذا المنزل ، ورغم أن البحث أسفر فعلاً عن ضبط أسلحة ومتفجرات إلا أن جيران المنزل بدأوا يقذفون الضباط والجنود بالحجارة ، ثم تحولت الحجارة إلى قنابل مولوتوف ، وبدأ شغب واسع النطاق فى الحى كله ، وعند العاشرة مساءاً كان الجيش البريطاني قد حصل على ما يكفيه ولذلك فقد حلقت مروحية فوق الحي وأعلنت بمكبرات الصوت أن كل السكان يجب أن يلزموا بيوتهم ، وأن أي شخص سيتواجد فى الشارع ــ لأى سبب ــ سيتم إعتقاله ، ولما فرغت الشوارع من المارة بدأ الجيش البريطانى حملة ضخمة من التفتيش للحى منزلاً منزلاً ، وكانت أي عدم طاعة للأوامر تواجه بحزم شديد وعقوبة لحظية ، وفى صباح اليوم التالى أحس فريلاند بالفخر من إنجازه ، واصطحب معه اثنان من المسئولين  الحكوميين البروتستانت وعدة صحفيين لجولة فى الحى ، وكانوا يجلسون على عربه نقل مكشوفة ، ووصف أحد الصحفيين هذه الجولة بأنها مثل جولة جندى بريطانى فى الهند فى رحلة لإصطياد النمور .
ورغم أن الجيش البريطانى ذهب إلى أيرلندا الشمالية بأحسن النوايا ( وهذا رأى جلادويل على الأقل ) إلا أن مشاعر البوليس المحلى (الذى كان أغلبه بروتستانت ) كانت ملتهبة ، ولذلك فلم يفلح الجيش البريطانى فى دوره كصانع سلام بين الاغلبية البروتستانت والأقلية الكاثوليك ، ولم تكن هذه أرضاً بعيدة مثل قبرص أو زنزبار ، وإنما كانت هى أرض الوطن بالنسبة للجيش البريطانى ، وكانوا يتعاملون لأول مرة مع مواطنين بريطانيين ، وعندما قام فريلاند بجولته هذه  فى شوارع الحى المهجورة اعتقد أنه سيرحل هو وجنوده عائدين إلى قواعدهم قبل انتهاء الصيف ( بعد ثلاثه شهور ) ولكن ليس هذا هو ما حدث ، فقد استمرت أزمة أيرلندا الشمالية ثلاثين سنة من الدماء والفوضى البالغة .
وقد أخطأ البريطانيون فى أيرلندا الشمالية خطأ بسيطاً ، لقد وقعوا  فى فخ الإعتقاد بأنهم طالما أن لديهم الموارد والأسلحة والجنود والخبرة فى التعامل مع المظاهرات والفوضى فى العالم الثالث ، فليس مهماً ما يشعر به أهالى أيرلندا الشمالية عندما يرون ممارسات الجيش البريطانى فى مدنهم ، وقد كان الجنرال فريلاند مقتنعاً بما قاله ليتيس وولف عندما قالا "التأثير على تصرفات الجماهير لا تحتاج إلى التعاطف ولا الضبابيه " ، ولكن ليتيس وولف كان مخطئين (وهذا أيضاً كلام جلادويل حرفياً (.
وقد صرح أول رؤساء (IRA ) (الجيش الجمهورى الأيرلندى) هذا التصريح العاقل فقال "يقال أن معظم الثورات لا تحدث بسبب الثوار فى المقام الأول ، ولكنها تحدث بسبب غباء وعنف الحكومات ، وهذا هو الذى بدأ الثوره والمقاومة الشعبية فى أيرلندا الشماليه فعلاً " وياله من قول يصدِّقه الواقع حتى يوم الناس هذا (هذا كلامى أنا وليس كلام جلادويل (.
وبالنسبه لموضوع السلطة ــ وهو الجزء الثانى من عنوان تقرير "التمرد والسلطة" فيقول جلادويل " إن هناك مبدأ أساسياً لمن يمثل السلطة هو مبدأ الشرعية (legitmacy) فمهما كانت شخصية المُدرسة ضعيفة فهى تمثل السلطة بالنسبة للطلاب ، ومهما كانت شخصيه الأب ظالمة فهو يمثل السلطة بالنسبة لأبنائه ، وذلك طبقاً لهذا المبدأ " ، ويقول جلادويل أن الشرعية يقوم على ثلاث دعائم :
·         أن الناس المطلوب أن يطيعوا السلطة لابد أن يحسوا أن صوتهم مسموعاً .
·         والقانون الذى يطبق عليهم يجب أن يكون معقولا بالنسبة لهم ، أي أنه لابد أن يكون هناك تفسير مقبول له  وأن تكون القواعد التى تطبق اليوم هى التى ستطبق غدا .
·         وأن السلطة يجب أن تكون عادلة ، ولا تعامل فريقاً بطريقة وتعامل فريقاً آخر بطريقة أخرى ( وهذا مصداقاً لقوله تعالى " ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا  ، اعدلوا هو أقرب للتقوى" ( المائدة :8(
ويقول أن الآباء والأمهات الجيدون يفهمون هذه الدعائم الثلاث ويطبقوها على أبنائهم ، فإذا أردت أن توقف جونى الصغير عن ضرب أخته فلا يمكن أن تنظر بعيداً مرة عندما يضربها ومرة أخرى تصرخ فيه ، ولا يمكن أن تعامل أخته بطريقة مختلفة عندما تضربه هي ، وعندما يقول له أنه لم يضرب أخته فعلاً ، فلابد أن تعطيه الفرصة ليشرح لماذا تبكى إذاً ، وكيف تعاقب مهم مثل أهمية متى تعاقب ومثل أهمية حجم العقاب.
ولكن الصعب حقيقة هو فهم تطبيق هذا المبدأ ودعائمه الثلاثة فى حالة الدولة ، أي تطبيقه على القانون والنظام العام (law and order ) ، ولأننا نعرف آبائنا وأمهاتنا وكذلك نعرف معلمينا فمن الطبيعى والمنطقى أن تعنى الشرعية الكثير داخل البيت وداخل المدرسة ، ولكن قرار أن تصوب النار على المتظاهرين ينتمى إلى نوعيه مختلفة تماماً ، أليس كذلك ؟
وماذا كان يعنيه ليتيس وولف عندما قال "إن قتال البلطجية والخارجين عن القانون لا يحتاج إلى التعاطف ولا الضبابية" هو أن القرار بالتظاهر مثلاً أو التمرد أو الخروج على القانون هو حصيلة حسابات  راشدة للمكسب والخسارة ، ولذلك فهو ليس قراراً شخصياً وإنما هو قرار جماعى ، وهذا بالضبط هو الخطأ فى تقريرهما (حسب رأى جلاديول ) ، لأن قتال المتظاهرين والخارجين عن القوانين التى تمنع الفوضى أو إتلاف المنشآت يعتمد إلى حد كبير على شرعية السلطة ، والشرعية مبدأ يعتمد على الدعائم الثلاث السابق ذكرها .
وعند إسقاط هذا الكلام على مايحدث فى مصر هذه الأيام ، نجد أن اعتقال الكثيرين بالقبض عليهم فى المظاهرات والمسيرات السلمية يكون على أساس أنهم خارجون عن القانون : قانون التظاهر ، فهل قانون التظاهر هذا شرعي أصلاً ؟ إن كل أصحاب الأقلام الحرة  وكثير من السياسيون يرونه قانوناً جائراً ، والسلطة تقول أنه حتى لو كان جائرا فهو ضرورى في هذه المرحله نتيجة الاضطرابات التى تموج بها البلاد ، فما السبب فى هذه الاضطرابات أساساً ؟ وهل السلطة التى شرعت القانون وتطبقه شرعية أصلاً ؟. وهل هي سبب هذه الاضطرابات في المقام الأول؟
وعندما تم انتخاب رئيس لمصر فى مايو 2012 لم تصمد الاتهامات بأن الانتخابات كان بها تزوير شديد أمام التحقيق النزيه ، وأعتبر غالبية المصريين أن د. مرسي هو الرئيس الشرعى لمصر ، فلماذا تم الانقلاب عليه من قبل الجيش ؟ الجيش تحت قيادة وزير الدفاع يقول أن ذلك تم بناء على رغبه الملاين التى نزلت 30 يونيو 2013 ، فما بال الملايين التى لم تنزل ، وشرعية قائد الانقلاب قائمة على أن وزير الدفاع جاء رئيسا للبلاد نتيجة انتخابات فى مايو 2014 ، ولكن هذه الانتخابات لم يكن فيها أي تنافس حقيقى على أساس أن قائد الانقلاب هو مرشح الضرورة ، وتأتى الضرورة من ضرورة تحقيق الأمن والاستقرار والقضاء على الاحتجاجات والخروج عن القانون وانقاذ الوطن من الذين يريدون اختطافه ( وهم الذين جاءوا بانتخابات نزيهة ، كانت فيها كل الفرص لكل المرشحين متساوية ، والرئيس المنتخب لم يستطع الحصول فيها إلا على   51.5%) .
فهل هذه الضروره تحققت بانتخاب وزير الدفاع رئيساً ؟ هل الاستقرار تحقق ؟ هل الأمن توفر ؟ هل الأسعار انخفضت أو حتى ثبتت ؟ ، هل فرص العمل زادت أو على الأقل البطالة لم تزيد ؟ هل الاحتجاجات انتهت ؟ هل أصبح الناس آمنون فى بيوتهم أم أن السجون اكتظت بأكثر من ستين ألف معتقل ؟، تقول السلطة القائمه أنه ليس هناك فى مصر معتقلون ، وأن الذين فى السجون إما صدرت ضدهم أحكام أو هم رهن المحاكمة ، فأين أقع أنا ؟ أنا رهن الأعتقال من 5\9\2013 وحتى 5/5/2015 حيث أخلى سبيلي على ذمة القضية ، ومن حينها إلى الآن لم تحال قضيتى إلى المحكمة ، فبعد العرض على نيابة أمن الدولة عشر مرات ( وهى الحد الأقصى طبقاً للقانون الحالى ) أخبرنى وكيل النيابة أننى لن أمثل أمامه أكثر من ذلك وإنما سأعرض على القاضى ، فلما سألته : وهل أحلت قضيتى للمحكمة ؟ أجاب : أحيل ماذا ؟ لا توجد أدلة ولا شهود ولا حتى أحراز ، لا يوجد إلا محضر تحريات من ضابط أمن دولة غالبا لا يعرفنى - فلما نظرت إليه متعجباً من هذه الإجابة قال أنه قال لرئيس النيابة أنه لا توجد قضيه ضد هؤلاء الناس (لأن معى ستة وعشرون آخرون في القضية) لانهم جميعا قبض عليهم قبل صلاة الفجر وهم نائمون فى بيوتهم .
ولما بدأنا نُعرض على القاضي ظللنا نسأله : هل أحيلت القضية إلى معاليك ؟ فيقول النيابة لم تنته من تحرياتها عنكم بعد ، وعندما عرضنا على القاضي لسابع مرة (في كل مرة يمدد لنا خمسة وأربعين يوماً ) وسألناه نفس السؤال وأجاب نفس الإجابه لم أستطع أن أتمالك نفسي وقلت له : هل من المعقول أن تأخذ النيابة أكثر من سنه ونصف لتتحرى عنى ، واقترحنا على عدالته أن هناك تعسفاً معنا سواء عند القبض علينا أو عند استمرار حبسنا بحجة واهية مثل هذه ، واقترحت انا تحديداً عليه أن يتحرى هو عنى بنفسه ، وقلت له أننى على استعداد أن أعطى عدالتك تليفون عميد الكلية التى أعمل بها أو رئيس الجامعة ، أو أعطيك رقم نقيب المهندسين الحالى أو نقيب المهندسين قبل الانقلاب ، أو حتى وزير حالى  أو وزير سابق ممن يعرفوننى حق المعرفه ،  وطلبت من عدالته أن يسألهم سؤالاً بسيطاً ، ماذا كان يعمل شريف أبو المجد منذ عام 1980 حتى الآن ؟ أنا بفضل الله – منذ أن عدت لمصر بعد حصولى على الدكتوراة – وانا أعمل بالتدريس فى الجامعة ، وأنا الآن أستاذ متفرغ فى جامعة حلوان ( على المعاش) ، ولم أنتدب ولا يوم واحد للتدريس فى أي جامعة خليجية ، ثم دخلت نقابه المهندسين لاداء واجبى فى العمل العام منذ اواخر الثمانينات إلى أن وضعت النقابة تحت الحراسة سنه 1995 ، ثم عدت عضوا فى المجلس الأعلى للنقابة بعد أن من الله علينا بعودة النقابة بعد ثوره يناير 2011 المباركة ، فما الذى فعلته حتى أستحق هذا الإعتقال وهذه المعاملة ؟ هل هذا هو جزائى لأنى عملت بالتدريس لأكثر من ثلث قرن وعلَّمت آلاف المهندسين ؟ أم هذا جزائى لأنى عملت عضوا فى لجان ترقية الأساتذة المساعدين ثم ترقية الأساتذة منذ التسعينات (حيث حصلت على درجة الأستاذية سنة 1989 وأنا دون الأربعين ) ، وساعدت في تقييم ترقية المئات ، ومنهم من وصل إلى عمادة كليات الهندسة المختلفة ، هل هذا جزائي لأنى رفضت السفر إلى الدول البترولية وآثرت أن أعلم بنى وطنى ، عموماً جزائى لا أنتظره من بشر أياً كان ، وإنما الجزاء من رب عادل لا يُظلم عنده أحد .
والآن نعود إلى التجربة الأيرلندية ، حيث كانت جذور المشكله أن الأغلبية البروتستانتيه كانت تقوم كل سنه بالمسيرات والاحتفال بانتصار البروتستانت على الكاثوليك وإخضاع أيرلندا الشماليه سنه 1690 عندما انتصر الملك وليام فى معركة بوين (battle of boyne) ، وكانوا في المسيرات يكتبون العبارات المسيئة للكاثوليك على اللوحات التى يحملونها ، ويقومون بحرق دمى تمثل بابا الفاتيكان أو أي مسئول كاثوليكى يكرهونه ، وكانوا ينشدون :
"إبن ناراً وضع كاثوليكياً على قمة خشبة ثم ضع الخشبة فى وسطها واحرق الكاثوليك الملاعين كلهم"
 وكانت هذه الاحتفالات والمسيرات تتم من عيد الفصح حتى يوليو من كل سنة ، وكان العنف دائماً ينفجر أثناء هذه الاحتفالات ، وسنه 1969 تصاعد العنف بين الجانبين حتى قامت مجموعه من غوغاء البروتستانت بحرق حى كامل من احياء الكاثوليك ، وعندما جاء الجيش البريطانى ليفصل بين الجانبين – وكانت انجلترا كلها تقريباً بروتستانت – فإن الجنود تعاطفوا مع مسيرات البروتستانت ، وكانوا يحمونها من الكاثوليك الذين يقفون على الأرصفة ، ولكن العكس لم يحدث وكانوا يعتقلون المتظاهرين الكاثوليك .
وكان الجنرال  فريلاند يحاول فرض القانون فى  بلفاست ، ولكنه كان يحتاج أن يسأل نفسه أولاً هل  لديه الشرعية ليفعل ذلك ، والحقيقة أنه لم تكن لديه هذه الشرعية ، فهو كان قائدا للقوات التى كان الكاثوليك يعتقدون – ولسبب وجيه – أنها فى صف أعدائهم الذين حرقوا منازلهم الصيف الفائت ، وعندما طبق القانون بدون شرعية ( كما يحدث فى مصر الآن ) لم ينتج عن تطبيقه الوصول للطاعة ، وإنما حدث العكس فقد نتج عن تطبيقه ردود فعل حاده .
ويقول جلادويل أن المعضلة الكبرى فى أحداث أيرلندا الشمالية هو كيف أن البريطانيين احتاجوا إلى أكثر من عشرين سنة ليفهوا هذا ( فكم من الوقت سنحتاج فى مصر لنفهم أن ما يحدث الآن لن يؤدى إلى استقرار مهما كان الإفراط فى استخدام القوة من قبل السلطة ، ونفهم أنه ما لم يطبق العدل فلا يمكن الوصول للاستقرار بالقوة ).
احصاءات
سنه 1969 أدت الاضطرابات إلى مقتل 13 وإصابة 73 بطلق نارى و 8 عن طريق قنابل ، فقرر الجنرال فريلاند أن يكون حازماً مع المتظاهرين والذين يطلقون النار ، وحذر بأن من سيلقى قنبلة سيضرب بالنار ، فماذا كانت النتيجة ؟ ، سنة 1970 قتل 25 وأصيب 213 بطلق نارى و155 بانفجار قنبلة ، ووقف الجيش البريطانى بحزم أكثر وأصر على تطبيق القانون ، وكانت الأرقام سنه 1971 كالآتى : قتل 184 وأصيب 1756 بطلق نارى و1020 بانفجار قنبلة ، فقام الجيش بتعليق الحقوق المدنية وأصبح الأمر أشبه بتطبيق حالة الطوارئ ، فماذا حدث فى سنه 1972 اغرقت أيرلندا الشماليه بالجنود البريطانيين ، وأعلن الجيش أنه سيعتقل كل من يشك أن له صله بالأرهاب أو بالجيش الجمهورى الايرلندى (IRA) فماذا حدث ؟ لم تبق عائلة واحدة من الكاثوليك لم يعتقل منها أب أو أخ أو عم ، فإذا كان كل هؤلاء الأقارب فى حياتك خلف القضبان فى السجون فهل السلطة تعتبر فى نظرك عادلة ؟ , وهل يبدو الأمر لك أن صوتك مسموعاً ؟ (عدد المعتقلين فى مصر حتى الآن تعدى الخمسين الفاً !!) ، الحقيقة أن الأمور زادت سوءاً ، فكانت الإحصاء في 1972 كالتالى :
 479 قتلوا ، 1495 أصيبوا ،531 سرقة بالإكراه ، 1931 قتلوا بانفجار قنبلة ، وكانت سنه 1973 أسوأ ، فكانت بلفاست مثل ساحة الحرب ، حيث كان الجيش  البريطانى بأعداد كبيره مزودين بكل أنواع الأسلحة والمركبات التى يمكن تخيلها (ماذا يفعل الجيش المصرى فى الشوارع حتى الآن ؟ آه …. يحافظ على الأمن !!!)
والآن دعونا نقف لحظة لنمعن الفكر فيما حدث ومايحدث وما نحن سائرون إليه ، كما لو كنا لا نتعلم شيئا من دروس التاريخ ، ما يحدث الآن فى مصر هو استقطاب حاد وذلك منذ 3 يوليو 2013 ، فقد اغلق قائد الانقلاب كل المحطات التلفزيونية وكل الصحف الخاصه بالإسلاميين ، ثم بدأ الاعلام المضاد حمله شيطنة وشحن جماهيرى حتى أدى ذلك كله إلى فض الاعتصامين فى رابعة والنهضة بالقوة المفرطة ، وقتل فى هذا الفض مايزيد عن الأربعة آلاف وجرح ما لا يقل عن عشرة آلاف ، وهناك مئات الفيديوهات المصورة والتى طافت العالم كله لتثبت ذلك ، فماذا كانت النتيجة ؟ هل هدأت الأمور ؟ ، بعد الفض مباشره وقبل أن يبدأ رد فعل لهذا الإجرام بدأت حملة اعتقالات لآلاف الإخوان من بيوتهم ، واعتقوا ما لا يقل عن عشرة آلاف بأخذهم من البيوت دون دليل أو شهود ، وإنما ليحتفظ النظام  بهم كرهائن ليضمن السيطرة على الشارع ، فماذا كانت النتيجة ؟ هل هدأت الأمور …. ولا داعى للاستمرار فى السرد لان ما تلى ذلك يعرفه الجميع .
فلو عدنا إلى دعائم الشرعية الثلاث التى اقترحها جلادويل ــ وبغض النظر أن السلطة الحالية هى انقلاب على الرئيس الذى كانت لديه الشرعية ، ومازال ــ وحاولنا تطبيقها على الوضع فى مصر لوجدنا الاتى :
·         هل المطلوب من الإسلاميين أن يطيعوا السلطة دون أن يحسو أن صوتهم مسموعاً ، أظن أن حالتى أوضح مثال على ذلك ، فأنا من سنة كاملة وانا أحاول أن أوصل صوتى للمسؤلين لإحالة قضيتى للمحكمة لتبدأ محكامتى ، ولا حياة لمن تنادى .
·         هل التهم التى يواجهون بها ــ وهى الانضمام إلى تنظيم مخالف للقانون؟ ــ وهل قانون التظاهر الذي يطبق عليهم  مقبول أو معقول بالنسبة لهم ؟ ، إن قانون التظاهر هذا لا مثيل له فى العالم كله ، والتهم بالانضمام للإخوان قبل الانقلاب لامنطق فيها لأنها كانت جماعة سياسية قائمة ، ليس كذلك فقط بل ونجح رئيس حزبها فى الانتخابات واصبح رئيساً للدولة ، فكيف تتهم كل هذه الآلاف المنضمة لجماعة كان رئيس حزبها رئيساً للجمهورية بأنها جماعة غير قانونية ، فهل ترشح وكسب الانتخابات فى غيبه أمن الدولة ، أو كان الجميع منومون مغناطيسياً بحيث يدركون أن هذه الجماعة غير قانونية وبالتالي هذا المرشح (الذي أصبح رئيساً) غير قانوني كذلك.  
·         وهل السلطة عادلة ولا تعامل فريق بطريقة والفريق الآخر بطريقة أخرى ، أظن أن أنواع الظلم التي طبقت في السنتين الماضيتين لم يسبق لها مثيل في التاريخ ، وإليكم مثالاً واحداً ، قاض في المنيا حكم على 511 من أصل 538 متهماً بالإعدام ، في ثلاث جلسات فقط ، دون أن يرى المتهمون أو يفض الأحراز ، هل هذا معقول ؟ والنيابة تتحرى عني من سنة ونصف ، وأنا ولدت في الدقي وعشت فيه طول حياتي ، فهل هذا عدل ؟ أرجو أن ينتبه القائمون على الامر أن العدل أساس الملك ، ويجب أن ينتبهوا لقول مؤمن ال فرعون" يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جَاءَنَا } (سورة غافر 29)
أظن أن الدعائم الثلاث بل والشرعية نفسها لا وجود لها في مصر الآن ، وحتى شرعية قائد الانقلاب كمرشح الضرورة آخذة فى التآكل لأن ما يحدث فى مصر كلها وسيناء الحبيبة على وجه الخصوص يزداد سوءاً ولايتحسن ، والبطاله بلغت أعلى معدل لها فى التاريخ الحديث ، والغلاء شوى الناس  ، والقادم   أسوأ .
يا قومنا انتبهوا لما حدث فى أيرلندا الشمالية ، إن قائد قوات الجيش البريطانى التى نزلت لحفظ السلام فى بلفاست بايرلندا الشماليه فى 30 \7\1970 كان يظن أنه سيسيطر على الموقف فى ثلاثة أشهر فاستمرت الاضطرابات وازدادت الأمور سوءاً لمدة ثلاثين سنة ، فهل نقف نتفرج وبلدنا ينزلق إلى العنف أكثر فأكثر ، يا قومنا كلما سنوا من قوانين لمنع التظاهر، وكلما زجوا بالطلاب والأبرياء فى السجون دون محاكمة عادلة وكلما ازداد قضاؤنا الشاخخ غشومة وظلماً ، وكلما ازداد الإعلام كذباً وشيطنة لاتجاه بعينه ، وكلما ازدادت مصادرة أموال الناس بغير وجه حق ، وكلما ازداد الحرب على أرزاقهم برفتهم دون جريرة .. كلما ازداد عدم الإستقرار وكلما زاد الإستقطاب … وكلما زاد وقود ثورة قادمة لن تبقى ولن تذر .
ويا من بيده السلطة اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ، لا أمل إلا بعودة العدل وسماع صوت المظلومين ، والعودة إلى الإحتكام إلى الشعب فى ظروف طبيعية وليس والمسدس مصوب إلى أدمغة الناس . فهل يتحرك المصريون قبل فوات الأوان ، ويجبرون العسكر على العودة إلى العدل ، ومحاولة الاستماع إلى صوت العقل ، بحيث يسعى الجميع إلى أن يضعوا مصلحة الوطن قبل مصالحهم الشخصية ،  قبل أن نفاجأ بأن ما نعيش فيه لم يعد وطناً وإنما ساحة حرب كما حدث فى أيرلندا الشمالية وكما حدث في الجزائر بعدها بعشرين عاماً.

اللهم جنب بلدنا كل سوء .. وارفع عنا وعن إخواننا كل ظلم .

"اللهم آمين"