Monday, July 13, 2015

علاقـات


علاقـات


إن العلاقة بين السعادة والثراء مثلاً تختلف من إنسان لإنسان , وحتى العلاقة بين الثراء و صعوبة كونك أباً أو أماً تختلف من حالة لأخرى , ولكن هناك رأى شائع أن كل هذه العلاقات لو تم رسمها فى رسم بيانى فستكون على شكل حرف U مقلوبة , فهل هذا صحيح ؟ , هيا نفحص بعض هذه العلاقات علَّنا نصل إلى بعض التوجيهات أو النصائح التى يسديها بعضنا إلى البعض الآخر .

لو بدأنا بموضوع الثراء وعلاقته بالسعادة , نجد أن تعريف السعادة يختلف من شخص لآخر اختلافاً كبيراً , أما علاقة الثراء بالأبوة فأكثر وضوحاً , لأن سهولة / صعوبة الأُبوة لا يختلف عليه الناس كثيراً , فهل زيادة الثراء تزيد الأُبوة سهولة أم صعوبة ,  لاشك أنه عندما يكون المرء فقيراً فحصوله على المزيد من المال يجعل الأُبوة أسهل ــ شكل (أ) , فهو حينها يستطيع أن يوفر لأولاده الغذاء والكساء والمسكن , فإذا زاد ثراءه أمكنه أن يوفر لأولاده رعاية صحية أفضل , فإذا زاد ثرائه أمكنه أن يوفر لهم تعليماً أجود وسكناً أرقى , فهل العلاقة بين الثراء وسهولة الأُبوة فى زيادة مطردة دون حد أقصي , الناس فى كل الثقافات اتفقوا أن هذه العلاقة تسير فى زيادة حتى نقطة معينة من الثراء بعدها تتوقف سهولة الأُبوة , فإذا ازداد الثراء فحشاً انقلبت سهولة الأُبوة صعوبة ــ  شكل (ج) .

فالجزء الأفقى فى شكل (U) المقلوب هو بين النقطة التى تتوقف عندها زيادة سهولة الأُبوة وبين النقطة التى تزداد عندها الأُبوة صعوبة , وإذا أخذنا حالة الأب المصرى كمثال نجد أن النقطة الأولى قد تكون عندما يكون الدخل الشهرى أربعين إلى خمسين ألف جنيه , فمتى نصل إلى النقطة الثانيه , قد نصل إليها عندما يصل الدخل إلى خمسة أو عشرة أضعاف هذا الرقم ، لماذا ؟ لأن الأب فى هذه الحالة لا يتمكن من تربية ابنه على الإحساس بقيمة المال , فكل شئ  متوفر , ولا يستطيع الأب أن يقول لابنه : لا عندما يطلب منه دراجة  أو سيارة فارهة بعد أن يصل سنه إلى 18 عاماً , وإذا قال له لا .. تربية له وعلى أساس عدم إجابة كل طلباته فإن الإبن سيظن أن أباه بخيل , وسوف يتمنى أن يرثه ليشترى السيارات التى يريدها , وليست قيمة المال فقط هى التى يصبح الحفاظ عليها أصعب ولكن أغلب القيم كذلك , أما الشكل (ب) فيصعب أن تستمر السهولة / الصعوبة على نفس درجتها مع ازدياد الثراء .

 


فإذا انتقلنا إلى علاقة الصحة بالأكل يصبح السؤال هل يزداد المرء صحة كلما ازداد أكلاً ؟, هنا تكون الإجابة أسهل , لأن الكل يعلم صدق الحديث النبوى الشريف "ما ملأ إبن آدم وعاءً شراً من بطنه " (رواه البخارى ) , فالناس كلهم تقريباً يعلمون أن قليل من الطعام الصحي ضرورى لكى تكون صحة الإنسان جيدة , وتزداد الصحة كلما أكثر من الطعام الصحى , ولكن الآية سرعان ما تنقلب , ويصاب الإنسان بالأمراض نتيجة كثرة الأكل : السكر والنقرس والضغط وزيادة الكولسترول وترسب الدهون على الكبد بالإضافة للسمنة وتأثيرها على العظام والمفاصل , فتجد إجماعا لدى الناس أن العلاقة فى الشكل (أ) غير صحيحة , وأن العلاقة فى الشكل (ب) هى الصحيحة , وهى أيضا على شكل U مقلوبة .

 

ثم نأتى لعلاقة أكثر التباساً , وهى علاقة عدد التلاميذ فى الفصل بالتحصيل الأكاديمي , فأغلب الناس يظنون أنه كلما قل عدد التلاميذ فى الفصل كلما زاد تحصيلهم الأكاديمي , لأن المدرس / المدرسة سيتمكن من إعطاء كل طفل وقتاً واهتماماً أكثر , وقد كلف هذه اعتقاد الأمريكيين ما يسمى "بغلطة البليون دولار " , حين سعوا إلى تخفيض أعداد الطلاب فى الفصول وكان المتوسط من 24-26 طالبا , وأنفقوا بليون دولار على بناء مدارس أكثر وتعيين مدرسين / مدرسات أكثر , حتى وصل المتوسط إلى 16-18 طالباً فى الفصل , فماذا كانت النتيجة ؟ ، لم يتحسن التحصيل الأكاديمي فذهل خبراء التعليم , ولكنهم عندما درسوا تجارب الأمم الأخرى وبالذات أمم أسيا ذات التعداد السكانى الكبير وجدوا تفسيراً لما كان يحيرهم , فالتجارب الأسيوية أثبتت أن التحصيل الأكاديمي للطلاب يتحسن فعلاً كلما قل عددهم فى الفصل , ولكنها ليست علاقة الخط  المستقيم لأنه عندما يقل العدد عن حوالى 25 طالبا  فى الفصل يتوقف التحسن فى التحصيل الأكاديمي , ليس ذلك فقط وإنما أثبتت بعض البحوث التربوية أن عدد التلاميذ فى الفصل لو قل عن 12 أو 10  تلاميذ فإن التحصيل الاكاديمي يقل , والسبب فى ذلك شيئين : أولهما أن كل طالب يحس أنه أصبح تحت المجهر , ويزداد توتراً , ومعروف أن زيادة التوتر تقلل التحصيل الأكاديمي , والسبب الثانى أخفى من الأول , ولقد أن طاقة المناقشات والأنشطة الفصلية تقل إذا قل عدد التلاميذ فى الفصل عن عشرة , ولكن تبقى العلاقة أيضا على شكل حرف (U) مقلوبة



وفى العلاقات الزوجية يتكرر شكل حرف U كثيراً , فالعلاقة بين نجاح الزوجه مهنياً وبين السعادة الزوجية تكون على شكل حرف U , وبالذات بالنسبة للرجل الشرقى الذى لا يتحمل أن تكون زوجته أنجح منه مهنياً وبالذات لو كانت فى نفس التخصص , وحتى الرجل الغربى لا يحب أيضاً أن تكون زوجته أنجح منه مهنياً , بالإضافة إلى صعوبة أن تنجح المرأة مهنياً وان تنجح فى أداء دورها كزوجة وأم في نفس الوقت , وبالذات فى السنوات الأولى للزواج , وفى حالة من الحالات كانت الزوجة أستاذه تحاليل وكان زوجها طبيباً فى الجيش تخصص تحاليل أيضاً , وأصر أن يكون له معمل تحاليل وحده بعد أن كان لهما معمل مشترك , فلما كانت زوجته مدرسة كان معمله أنجح , ولكنا عندما وصلت لدرجة الأستاذية في جامعة عين شمس صار معملها أنجح ، وانتهى هذا الزواج بالطلاق .
 
 
 فهل كل العلاقات على شكل حرف U مقلوبة ؟ , غالباً كل العلاقات التى يكون فيها المال محوراً من المحورين تكون على هذا الشكل , فزيادة الثراء عن حد معين تجعل الفتاة تشك أن من يتقدم لخطبتها لا يفعل ذلك حباً لها وإنما طمعاً فى مال أبيها , وتجعل الأب يتشكك فى أى شخص يعرض عليه صداقته أو حتى يعطيه هدية , لأنه دائما يسئ الظن بالناس , ويظن أن الكل يطمع في ماله ، أما بالنسبة للسعادة الزوجية فالأمر يختلف , صحيح أن زيادة الثروة لا تعنى دائماً زيادة السعادة الزوجية , بل أن العلاقة على الأرجح ــ تكون على شكل U مقلوبة أيضا , ولكن علاقة السعادة الزوجية بالحب بين الزوجين أكيد ستكون فى صورة خط مستقيم صاعداً دائماً , والا إيه ؟ !!!

وهنا يظهر سؤال : هل قضاء الزوج وقتاً أطول مع زوجته وأولاده يعمل على زيادة السعادة الزوجية , نأتى هنا مره ثانيه إلى شكل (U) المقلوبة , كيف ؟ , أعرف لواءاً كان يعمل فى القوات المسلحه  ثم خرج على المعاش قبل الستين ببضع سنوات , فأصبح يجلس فى البيت طول الوقت , وكان كل أولاده – ماعدا واحداً – قد تزوجوا , وكانت زوجته ربة منزل لا تعمل وكانت طاهية ماهرة وكثيرة الابتكار فى الأكلات الشهية التى تصنعها ولا تحب أن يقاطعها أحد وهي تبتكر , ففى الصبح أثناء تواجد ابنه فى الجامعة كان لا يجد إلا زوجته ليتحدث معها , فكان يدخل المطبخ ليستأنس بها , فلما اشتكت لأقاربهما وأصدقائهما من كثرة تدخله فى مملكتها الخاصة نصحناه قائلين : يا سيادة اللواء إذهب إلى نادى الصيد أو أى ناد من نوادى القوات المسلحة , فلما أصر على البقاء فى البيت حدث الطلاق وهو قد جاوز الستين , وزوجته أصغر منه قليلاً .

وهناك مثلا يقول ما زاد عن حده انقلب إلى ضده , فهل هذا المثل يفسر ما قاله أحد المفكرين الغربيين  من أن كل العلاقات تكون على شكل U  مقلوبة , الحقيقة أنه عندما يكون أحد المحورين يمثل شيئا ماديا فقد يكون ذلك صحيحاً أى عندما يكون أحد المحورين يمثل الثراء أو الأكل أو عدد الأولاد فى الفصل أو حتى نجاح الزوجة مهنياً فيمكن أن تكون العلاقة على شكل U مقلوبة , ويصدق عليها هذا المثل الذى ذكرناه .

            فماذا لو كان كلا المحورين معنوى ؟ , مثلا هل العلاقة بين الرضا والسعادة على شكل U مقلوبة ام هى خط مستقيم , أعتقد أنه كلما زاد الرضا والقبول بما قسمه الله كلما زادت السعادة ، ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول " .. وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس " ( رواه الطبرانى ) ، وكذلك العلاقة بين الصبر والرضا بالقضاء وبين رضا الله عن العبد , أعتقد أنه كلما زاد الصبر زاد رضا الله عن العبد , حتى يدخله الجنه بغير حساب (اللهم اجعلنا من الصابرين) ، وفى هذه الحالة نجد أن العلاقة بينهما ليست خطاً مستقيماً صاعداً فقط  وإنما كل منهما يعمل على زيادة الآخر , فكلما تذكر العبد أن الصبر يرفع منزلته عند الله كلما ازداد صبراً , وكلما ارتفعت منزلته فعلاً , حتى يصل إلى قمة الصبر عندما يبتليه الله بفقد أحد أولاده , فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يخبرنا فى الحديث ما معناه أن الله يسأل ملائكته ــ وهو أعلم ــ "أقبضتم روح ولد عبدى ؟ أقبضتم ثمره فؤاده ؟ , فيقولون نعم يا رب , فيقول ــ وهو أعلم ــ فماذا قال عبدى , فيقولون : حمدك واسترجع (أى قال إنا لله وإنا اليه راجعون) , فيقول لهم : ابنوا لعبدى بيتاً فى الجنة وسموه بيت الحمد" (رواه البخارى ) ، الله .. الله ، هذه أعلى درجات الصبر , وهذه أعلى مقامات العطاء الالهى.

وليتنا نحاول فى حياتنا تطبيق هذا على علاقتنا ببعضنا , ففى كتاب " الرجال من المريخ والنساء من الزهره " يقول د. جون  جراى أن أربعة أحضان للزوجة فى اليوم تكفى , فماذا عن ثمانية أحضان ؟ هل هى زيادة عن الحد , أعتقد أن كل الزوجات المحبات لأزواجهن سيتفقون معى أن أربعه أحضان فى اليوم لا تكفى , وليتهم يكونون ثمانية وليتهم يكونون اثنى عشرة , وليس من الضرورى أن يستغرق الحضن وقتاً طويلاً , ولكن لأن (الأنثى) مخلوق يحب الحنان فهي تحت الأحضان , ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى عن الزواج " ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ...”  (الروم :21) ، هذه المودة والرحمة لابد أن تظهر فى صورة سلوك , لأن الحب سلوك كما يقول ستيفن كوفى مؤلف كتاب " العادات السبع للأسر الأكثر فاعلية " , أى أن الزوج يجب أن يعبِّر عن حبه لزوجته بالكلام أو بالأحضان أو بالهدايا الصغيرة ، ولا يكتفى بأن يقول أنه يعمل ليل نهار من أجل زوجته وأولاده , يجب أن يقول لهم باستمرار أنه يحبهم ، ويجب أن يعطيهم من الحنان والهدايا ما يسعدهم .

ويحكى عن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم ) أن أحد الصحابة قال له : "أنا أحب فلاناً فقال له : وهل أخبرته , قال : لا , قال فاذهب فأخبره" (رواه ابو داود ) , فانظر إلى فقه الرسول صلى الله عليه وسلم , ومن فقهه كذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "تهادوا تحابوا" (رواه الترمذى) , فلابد أن يحضر الزوج لزوجته هدايا باستمرار , وليس المهم أن تكون غالية الثمن , بل يمكن أن تكون وردة واحدة , ويستحسن أن تكون حمراء , ولكن هل هذا ينطبق على الزوج فقط ؟ لا طبعا فالزوجة لابد أن تهدى زوجها دائماً , ولكنها هى نفسها أجمل هدية بطباعها ورعايتها لزوجها وقيامها بكل ما يحب , وليت العلاقة بين الزوجين تعود إلى ما كانت عليه أيام جدودنا , فجدى (رحمه الله) كان دائماً ينادى جدتى : يارتيبه هانم , وهى دائماً تناديه : يا عوض بك , حتى جاءت ثوره 52 المباركة فألغت البكاوية , وكان الاحترام  الدائم هو الذى يسود علاقتهما , وليت الاحترام والمودة والرحمة تعود فتملأ بيوتنا مره ثانية .

فماذا عن علاقتنا بخالقنا ؟ , يقول الله تعالى " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ " ( الذاريات :56 ) , فكيف تكون علاقتنا بربنا كلها عبادة , يفسر ذلك حديث النية , فالنية تجعل حتى العادة تتحول إلى عبادة , فالأكل والشرب لو كان بنية التقوى على طاعة الله لأصبح عبادة , وكذلك النوم عبادة إلا إذا شغل المرء عن قيام الليل وصلاه الفجر , وتفسره كذلك الآية فى آخر سورة الأنعام " قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (الأنعام 162 - 163) , فليتنا نجعل حياتنا كلها لله رب العالمين

فماذا عن  علاقتنا بحكامنا ؟ , أهم شئ فى هذه العلاقة هو منعهم من الظلم , وذلك لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) "إن الناس لو رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب" , وحديثه (صلى الله عليه وسلم) “ انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قالوا : يا رسول الله ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً ؟ قال بمنعه عن الظلم " (متفق عليه).

وها أنا أكتب هذه الخاطرة فى سجن استقبال طره , وقد اعتقلت من سنة ونصف أثناء نومى قبل آذان الفجر , ولم يجدوا فى بيتى أى شئ , ولما قلت لوكيل النيابة ــ بعد خمسة أشهر من التحقيقات ــ متى تحيل موضوع القضية إلى القضاء لأثبت براءتي  , قال : أحيل أيه ؟ لا يوجد دليل ولا شهود ولا حتى أحراز , فلما انقضت الخمسه أشهر الأولى وأصبحنا نمثل أمام القاضي لمدة سنة كاملة ولا يوجد  أى جديد سألته : وأخريتها ؟ سنة كاملة والنيابة تقول أنهم يتحرون عنى , وأنا ولدت فى الدقى وأعيش فيها حتى الآن , وأعمل أستاذ متفرغاً فى هندسة المطرية , وكنت عضواً بالمجلس الأعلى لنقابة المهندسين , فكيف يستغرق التحرى عنى سنة ونصف , فلم يجد جواباً ولا حول ولا قوة إلا بالله .

أعود إلى موضوع العلاقات , وأتمنى أن تعود العلاقات الجميلة بين الزوج وزوجته وبين الجار وجاره وبين الإبن وأبيه وأمه , وبين الصديق وصديقه , فالدين المعاملة كما تقول إذاعة القران الكريم .

اللهم اجعلنا سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك نسالم من سالمك ونعادى من عاداك , اللهم استعملنا لخدمه دينك ونصرة شريعتك , واجعلنا هداة مهديين , لا ضالين ولا مضلين ولا تجعلنا منافقين ولا مصفقين فى أيام عز فيها المؤمنون الصادقون .. اللهم آمين .

2 comments: