Tuesday, July 7, 2015

الفتنة الكبرى



الفتنة الكبرى
  لقد حذر رسل الله جميعا (عليهم السلام ) أقوامهم من أكبر فتنة سيتعرض لها البشر وهي فتة المسيح الدجال , وعندما تحدث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عنها للصحابة الكرام وحذر وأنذر خرج الصحابة من المسجد وهم يلتفتون حولهم خوفاً منها لشدة ما كان لحديثه من وقع شديد ، لدرجة أنهم أحسوا بأنها أصبحت جد وشيكة , وهى أكبر فتنة سيتعرض لها البشر من لدن آدم , ونصح الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابه بقراءة سوره الكهف لتحميهم من هذه الفتنة فلماذا سورة الكهف بالذات هي التي تحمي من فتنة المسخ الدجال ؟ , إن التفكر فى هذا السؤال يمكن  أن يعطينا بصيرة أكثر فى طبيعة هذه الفتنه التى وصفها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالتفصيل حيث قال "ما بعث نبى إلا أنذر أمته الأعور الكذاب ، ألا إنه أعور وأن ربكم ليس بأعور ، وأن بين عينيه مكتوب كافر" (رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة(
وقام رسول الله في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال " إني لأنذركموه ، وما من نبي إلى وقد أنذر قومه منه ، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه إنه أعور وأن الله ليس بأعور " (رواه البخاري في صحيحه من حديث عن ابن عمر) , وعن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجال  أن معه ماء وناراً فناره ماء بارد وماءه نار " .
وقد ألف العلامة الهندي الأستاذ / أبو الحسن الندوي كتاب صغير الحجم كبير الفائدة بعنوان " تأملات في سورة الكهف "  لمحاولة الإجابة على هذا السؤال ومما ذكره في هذا الكتيب أن سورة الكهف تحتوي على أربعة قصص : قصة أصحاب الكهف , وقصة صاحب الحديقتين , وقصة سيدنا موسى والخضر (عليهما السلام) وقصة ذي القرنين , القصة الأولى تحكي عن فتية فروا بدينهم إلى الكهف دون أن تكون معهم أي أسباب لقضاء وقت طويل فيه , فكتب الله عليهم النوم في الكهف ثلاثمائة سنة شمسية أو ثلاثمائة سنة وتسع سنوات قمرية , في هذه الفترة الطويلة – ودون أسباب معهم ــــ كانت أسباب الرعاية الآلهية تحوطهم , فالكهف فتحته في اتجاه الشمال : " إذا طلعت الشمس تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال " ، وذلك أدعى لأن تكون التهوية فيه جيدة في بلاد الرياح فيها شمالية , ثم شاء ربك  أن يضع عليهم صفات مرعبة لمن يريد  أن يقتحم عليهم خلوتهم " إذا اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً " , ثم إنه جل شأنه كان يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال حتى لا يصيبهم ما أصبح يسمى في الطب الحديث بقرحة الفراش إذا نام المرء فترة طويلة على الفراش دون أن يتقلب , وبعد هذه المدة الطويلة خرج الفتية من الكهف فوجدوا أن قومهم الكافرين الذين فروا منهم بدينهم  ــــ  قد دخلوا في دين الله أفواجاً , حتى أنهم اتخذوا عليهم مسجدا .
والقصة الثانية تحكي عن رجل كانت له " جنتين من نخيل وأعناب حففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً , كلتا الجنتين أتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا , وكان له ثمرٌ "  فماذا فعل ؟ كفر بالذى خلقه من تراب ثم من نطفه ثم سواه رجلاً إذ أنه " دخل جنته وهو ظالم لنفسه "  قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً , وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيراً منها منقلبا , فماذا كانت نتيجة كفره بنعمه الله وإنكاره القيامة وغروره بربه الكريم ؟ , كانت النتيجة " وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها ويقول يا ليتنى لم أشرك بربى أحداً " ، لقد أخذ بكل الأسباب : أنفق على الزراعة فى جنتين بهما ثمار وأشجار تحتاج سنين لكى تنمو و تثمر , ولا يظن عاقل  أن تهلك فى يوم واحد , ورغم أخذه بكل الأسباب شاء ربك أن تصبح صعيداً زلقاً فى يوم واحد .
والقصة الثالثة هى قصة سيدنا موسي والخضر (عليهما السلام ) ، وتحكى كتب التفسير  أن بداية القصة كانت عندما سأل رجل من بنى إسرائيل نبيهم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : من أعلم أهل الأرض ؟ , فلم يرد نبى الله موسي العلم إلى الله وقال له : أنا , فعاتبه الله وقال له بل هناك من هو أعلم منك , فطلب موسي من ربه  أن يدله عليه ليتعلم منه , فأرشده  أن يذهب إلى مجمع البحرين سيريه آية تدله على مكانه , فلما إتخذ الحوت – الذى أكلا منه هو وفتاه – سبيله فى البحر عجبا – وكان العجب أن مساره فى البحر أصبح يابساً – قال موسي " ذلك ما كنا نبغ , فارتدا على آثارهما قصصاً , فوجــدا عبــداً من عبــــاد لله أتـاه الله رحمـــــــة من عنـــده وعلمه من لدنه علما , فقال له موسي " هل اتبعك على  أن تعلمن مما علمت رشداً , قال إنك لن تستطيع معى صبراً , وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً " ، أى  أن العبد الصالح أخبره  أن  الإنسان لا يطيق الصبر على أحداث لا يعلم لها سبباً , فقال موسي "  ستجدنى  إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً , قال العبد الصالح "  فإن اتبعتنى فلا تسألن عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا " .
فلما خرق الخضر السفينة التى وافق أصاحبها على نقلهما عليها دون أجر , خرق موسي الاتفاق وقال له "  أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمراً , فنبهه الخضر إلى الاتفاق قائلاً " ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبراً " , فاعتذر موسى وطلب فرصة ثانية وانطلق معه فلقيا غلاماً فقتله الخضر دون ذنب أو سبب , فلم يطق موسي صبراً وقال " أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكراً " , فذكره الخضر بالاتفاق ثانية " ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبراً " , فطلب موسي فرصة أخيره وقال "  إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبنى قد بلغت من لدنى عذراً " , وانطلق مع سيدنا الخضر , “ حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتَّخذتَ عليه أجراً ، هنا قال له الخضر " هذا فراق بينى وبينك رغم أن موسي لم يسأله شيئاً وإنما اقترح عليه أن يطلب أجراً مقابل العمل الذى قام به طالما أن أهل القرية على هذه الدرجه من البخل , ثم أنبأه الخضر بتأويل ما لم يستطع موسي عليه صبراً , فتعلم موسي الدرس الذى أرسله الله لكى يتعلمه ، وهو أن لكل شيئاً سبباً حتى ولو لم يعرفه الإنسان , فخرق السفينة كان لإنقاذها من ملك " يأخذ كل سفينة غصباً , وقتل الغلام كان لإنقاذ أبويه من "  أن يرهقهما طغياناً وكفراً , وإقامة الجدار كانت بسبب أن تحته كنز لليتيمين وأن الله يريد أن يبلغا أشدها ويستخرجا كنزهما رحمه منه لأن أبوهما كان صالحاً .
والقصة الرابعة هى قصه ملك صالح إتَّبع الأسباب – واتباع الأسباب أكثر من مجرد الأخذ بالأسباب – فتحصّل على النتيجة , وفى بعض الأعمال التي أنجزها كانت النتيجة باهرة حتى  بمقاييس اليوم , مثل أنه بنى بين السدين ( الجبلين ) سداً من برونز وهو سبيكة من الحديد والنحاس وأقوى من أى منهما بمفرده.
وبالإضافة إلى هذه القصص الأربعة تُنبِّه سورة الكهف قارئها إلى كمال قدرة الله , و أن الإنسان يجب أن لا تنسيه الأسباب مسبب الأسباب سبحانه وتعالى , فتقول مثلا : “ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح , وكان الله على كل شئ مقتدراً , الدنيا كلها بكل ما فيها عبارة عن مطر نزل من السماء فأنبتت الأرض نباتاً أصبح هشيماً بسرعة بحيث تذروه الرياح , سبح أن الله , كل هذه الدنيا هى عبارة عن هذه الدوره السريعة جدا لحياة النبات , وكان الله على كل شئ مقتدرا
وتنبه إلى الأمثال الكثيرة التى ساقها الله فى القرآن الكريم حتى يكون إيمان الإنسان مبنياً على كمال الاقتناع وليس على التسليم فقط , لأن " كان الإنسان أكثر شئ جدلاً ، وتنبه إلى الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً , وهم الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا , لماذا ؟ ” أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه , فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً "
والشاهد أن محور السورة الأساسي هو عدم الإفتتان بالأسباب , لأن مسبب الأسباب سبحانه وتعالى قادر على الاتيان بالنتيجة بدون أسباب , ولكن سنه الله فى الكون هى أن الإنسان لو اتبع الأسباب لجاء بنتائج باهرة , وهذا هو سبب أن سوره الكهف تقى من فتنة المسيخ الدجال ، كيف ؟ ، فى رأى الاستاذ أبو الحسن الندوى  أن فتنة المسيخ الدجال هى فتنه الافتنان بالأسباب ونسيان رب الأسباب , وأنها لذلك هى فتنة الحضارة المادية الحديثة , ويدلل على ذلك بالتماثل القائم بين هذه الفتنة وبين حديث رسولنا الكريم , فأكثر اتباع الموضة والمال من النساء يماثل  أن أكثر اتباع المسيخ الدجال (أو فتنته) من النساء , وعند دخول الناس فى جنه الماديه من شهوات البطن والفرج يجدوها نار المرض والتفكك الأُسري
وهذا يماثل ما جاء فى الحديث من  أن  المسيخ الدجال لديه جنة اذا دخلها اتباع فتنته وجدوها نارا والعكس بالعكس , وكذلك الدرس البليغ فى تواضع ذو القرنين بعد بناء سد من البرونز ــ لا نستطيع اليوم بكل ما لدينا من تقنية  أن نبنيه ـــــ بأن رد الفضل لصاحب الفضل سبحانه وتعالى عندما قال " قال هذا رحمة من ربى , فإذا جاء وعد ربى جعله دكاء , وكان وعد ربى حقاً , أما الآن فعندما افتتح عبد الناصر السد العالى مع زعيم الشيوعية خرشوف كانت كل الكلمات عن الروس وما لديهم من تقنيه وقدرة علمية , ولم نسمع حتى الرئيس المصرى يشير إلى فضل الله ونعمته ولو بكلمة واحدة , رغم  أن السد العالى ما هو إلا سد ترابى له قلب معدنى .
والخلاصة  أن الإنسان لو قرأ سوره الكهف كل يوم جمعة وتدبر فى معانيها وقصصها لأصبح محصناً من فتنة المادية البحتة والإفتتان بالأسباب , وهى فتنة العصر وهى  فتنة المسيخ الدجال , صحيح أنه سيتولى كبرها رجل أعور مكتوب على جبهته ك.ف.ر كما أخبر الصادق المصدوق , ثم ينزل سيدنا عيسي (عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) فيقاتله ويقتله , ويملأ الأرض عدلا بعد أن  ملئت جوراً , ولكن الصحيح أيضا  أن هذه الفتنة بدأت وانتشرت فى كل أنحاء الأرض , وأصبح  الناس مفتونين بالأسباب ، وإذا قلت لهم أنه لابد مع الأخذ بالأسباب تقديم المشيئة الإلهية , لأنه حتى لو اتبع الإنسان كل الأسباب ولم يشأ الله سبحانه أن تتحقق النتيجة فلن تتحقق , يقولون لك هذا كلام دروشة من العصور الوسطى  لأنك لو أخذت بالأسباب فسوف تتحقق النتيجة بنسبة مائة فى المائة.
   ولكى ينبه الله البشرية الغافلة التى أصبحت غارقة فى المادية وأصبحت متجاهلة لقدرته سبحانه - بل ومتجاهلة ومنكرة لوجوده أصلا علا الله علواً كبيراً عما يقولون ـــــ لكى ينبههم لقدرته شاء أن لا تحقق النتيجة عندما سمى الأمريكان إحدى سفن الفضاء الخاصة بهم " المتحدى   (CHALLENGER)، هذا المتحدي يتحدى من ؟ خالق الكون ؟؟ "يأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم , الذى خلقك فسواك فعدلك , فى أى صورة ما شاء ركبك " (الإنفطار : 6)   و" وما قدروا  الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه " (الزمر:67) ، يا أيها الإنسان لا تغتر بعلمك ولا تفتتن بالأسباب وتنسي مسبب الأسباب سبحانه , واتَّبع كل الأسباب ثم قدم المشيئة كما فعل كليم الله موسي عليه السلام عندما قال للخضر " ستجدنى  إن شاء الله صابراً ولا أعصى لك أمراً "
 وليراجع كل منا نفسه في هذه القضية وليراجع كل منا نفسه أيضاً في قضية التعامل مع كتاب الله , فهل يحس عند قراءه القرآن أن الله يخاطبه بالآيات التى تبدأ ب يا أيها الذين آمنوا ؟ , وهل يعلم تأثير قراءة سورة الملك أو سورة الواقعة عند نومه ؟ , وهل يتدبر آياتهما حق التدبر ؟ , أم هى تمتمة سريعة دون تدبر حتى يغشاه النوم , وهل يعلم لماذا أوصي الله بقراءة سوره الكهف يوم الجمعة ؟ , وهل إذا قرأها من الآن فصاعداً سيتدبر موضوع عدم الإفتتان بالأسباب ؟ , ويتخذها حصناً يجنبه الافتتان بالأسباب المادية , صحيح أنه مأمور بإتباعها ولكنه مأمور كذلك بعدم الافتتان بها , مأمور بأن يؤمن أن كل شئ بقضاء , وأن على المرء  أن يسعى  اما تحقق النتائج فهو على الله .
صحيح أننا يجب  أن يكون سعينا متقناً , وأن نعد أنفسنا بالعلم ودراسة التجارب السابقة ، حتى إذا سعينا كان سعينا على بصيرة , كما قال الله سبحانه وتعالى فى آخر سورة يوسف " قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن , وسبحان الله وما أنا من المشركين " (يوسف : 108) ، وهذه الآية توضح أمرين : أولهما أن واجب الدعوة إلى الله ليس واجب الرسل فقط , وإنما هو واجبهم هم ومن اتبعهم , و أن هذه الدعوة يجب  أن تكون على بصيرة ، أى على علم بما يدعو الإنسان إليه وهذا هو معنى " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " (محمد : 24)
اللهم ارزقنا تدبر آيات القرآن والعمل بها ، وأن نؤمن بالكتاب كله ولا نكون مثل المغضوب عليهم الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض , وأن نستعمل القرآن حصناً لنا من الوقوع فى فتنة المسيخ الدجال ـــ فتنة المادية وفتنه الإفتتان بالأسباب , ونسيان مسبب الأسباب . اللهم آمين
أ.د شريف أبو المجد
سجن استئناف طره
يناير 2015


1 comment:

  1. https://apkxtreme.com/

    This the best site for the Latest apks to download or to known the information about any apk.

    ReplyDelete