Sunday, July 12, 2015

أفكار حول تجديد الدعوة





أفكار حول تجديد الدعوة
لمواكبة التغيير الهائل الذي يحدث في القرن الخامس عشر
مقدمة
     قاد الصحوة الإسلامية في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وبداية القرن العشرين مجموعة من العلماء المصلحين الذين سخرهم الله تعالى لإخراج الأمة الإسلامية من سباتها الذي دام قرونا , ومن تخلفها الذي جعلها في ذيل الأمم , ومن بعدها عن الفهم الصحيح للإسلام الذي جعلها تتخبط في الجهل حتى لو التزمت بدين ربها .
فقاد الأفغاني ومحمد عبده                الدعوة للتغيير
وقاد رشيد رضا والرافعي              نشر العلم والتنوير
وقاد البنا وإخوانه                       المنهج العملي للتغيير
وتميزت دعوة البنا بالجانب العملي الذي يعتمد على قاعدة فقهية معروفة وهي "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" , فطالما أن الباطل له دول ومؤسسات ومراكز وجمعيات فلا بد أن يكون للحق جماعات وأحزاب ومؤسسات تواجه هذا الباطل , ولن يكفي العمل الفردي أو جهود بعض العلماء قليلي العدد , فالباطل استشرى , والبعد عن لب الإسلام وفهم أهل السنة والجماعة استفحل , ولا بد من جماعة أو جماعات تعد الأفراد بالتربية , وتوفر الموارد بالعمل , وتتحرك وفق خطة بدأب لكي تعود هذه الأمة لدينها الصحيح وتستسلم لربها وتتبع سنة نبيها (صلى الله عليه وسلم) .
وكان من توفيق الله للإمام البنا أن فقه أن هذه الجماعات والمؤسسات العاملة للإسلام لا بد أن تقوم على ركنين ركينين : الفهم والتربية ، فالفهم يسبق الإخلاص والعمل , لأن من يعمل في حقل الإسلام لو كان فهمه قاصرا أو مخلوطا فإن إخلاصه سيؤدي إلى عمل ضرره أكبر من نفعه ( والشواهد حولنا كثيرة وواضحة ) , والتربية لا بد منها لإعداد الرجال الذين تحتاجهم العودة للتمكين لهذا الدين , ليوضحوا للناس حقيقته وعظمته , ويدعوهم لنصرته , فقد يتغير فكر المرء بالقراءة أو سماع الدروس وحضور المحاضرات , ولكن سلوكه لن يتغير إلا بتربية عميقة متأنية , وهذه حقيقة عملية يؤكدها علماء التربية بالجامعات .
وكان من توفيق الله له أيضا أن أنشأ جماعة قائمة على فهم أهل السنة والجماعة ، وجعل لهذا الفهم أصولا عشرين , تصلح لأن تكون دستورا ثقافيا للوحدة بين المسلمين , كما قال شيخنا الجليل الإمام محمد الغزالي في كتابه الذي يحمل نفس الإسم , ووفقه أن جعل للتربية في هذه الجماعة محاضنها ومناهجها ومستوياتها , حتى يصل الأخ إلى مرتبة الإخ العامل لهذا الدين , بكل ما يتطلبه ذلك من إخلاص وعمل وجهاد وتضحية .
            واجتهد الإمام البنا أقصى الإجتهاذ البشري في تطوير أساليب عمل هذه الجماعة التي أنشأها في الإسماعلية سنة 1928 , ويظهر هذا الإجتهاد في رسائله ودروسه وخطبه التي كان يلقيها حتى فبراير 1949 (عندما استشهد) , وبالذات في خطبته في المؤتمرين الخامس والسادس , وكان إجتهاده – كأي إجتهاد بشري – متأثر بالظروف والأحوال والمناخ السائد في ثلاثينيات القرن العشرين , حيث كانت مصر محتلة من الإنجليز , ولا توجد دولة اسمها اسرائيل , ولا قوة عظمى اسمها الولايات المتحدة , ولم تظهر بعد قوة البترول في الخليج...... إلخ , ورغم أننا نعتقد أنه مجدد القرن الرابع عشر الهجري إلا أن فكره وأساليبه والخطط التي اقترحها تظل محكومة بما كان سائداً عندما كتبها أو قالها من ظروف محلية وعالمية , وهل آن الأوان لتحديثها وإضافة الكثير إليها لتواكب التغيير الهائل الذي حدث منذ ثمانين سنة وإلى الآن ؟ , أعتقد هذا .
فما هي متطلبات هذا التحديث ؟هناك الكثير , ومنها الآتي :
1)          حجم وسعة التغيير الهائل محليا وعالميا .
2)          حاجتنا إلى مؤسسات كثيرة للتنوع الكبير في المجالات والزيادة الكبيرة في الأعداد .
3)          ثورة الإتصالات والمواصلات وانتشار الإنترنت انتشاراً كبيراً.
4)          التأثير الجبار للمال والإعلام وضرورة توظيفهما دعويا .
5)          الحضور القوي للإسلام عالميا , ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب به للحد من انتشاره .
6)          ظهور قوة الشباب والمرأة – وبالذات بعد الإنقلاب – وزيادة فاعليتهما بحيث لا يمكن التعامل معها كما كان في السابق.
7)          زيادة عدد المسلمين في أوروبا وأمريكا وتأثيرهم المستقبلي الكبير على سياسة هذه الدول.
8)          التغيير الكبير الذي حدث في العالم الإسلامي وتأثير ثورات الربيع العربي .
9)          الحاجة الماسة للإنفتاح على الآخر وبالذات في ضوء الاستقطاب الحاد الذي حدث في مصر.
10)      التحدي الضخم نتيجة الغزو الثقافي وانهيار ثقافة المصريين وقيمهم .
11)      إنحسار حقبة الإستبداد السياسي عالميا في أغلب الدول , وإنهيار الإيديولوجيات (وبالذات الشيوعية).
12)      الوضع الراهن للقضية الفلسطينية ووضع الصراع العربي الإسرائيلي وبُعده عن بؤرة اهتمام الشعوب العربية.
ولا شك أن نظرة واحدة لهذه القائمة تقنع المرء بضرورة التحديث الجذري – وليس التجميلي أو الثانوي- الرسالة والخطة الإستراتيجية التي وضعها مؤسس هذه الدعوة منذ ثمانين سنة , في ظروف مختلفة تماما عن الظروف الموجودة الآن  محليا وعالميا , ولزيادة وضوح متطلبات التحديث سنتناول كل منها بشئ من التفصيل :
أولا  :  متطلبات التحديث المطلوب :
1-     حجم وسعة التغيير الهائل محليا ودولياً
من الناحية التقنية والمادية يقول العلماء أن كل التقدم الذي حدث من لدن آدم (عليه السلام ) حتى بداية القرن العشرين حدث مثله – تقريبا – في القرن العشرين وحده , أي في مائة عام فقط , وسيحدث مثله مرة ثانية في أقل من نصف هذه المدة , هذا تغيير هائل جدا , ويتم بسرعة كبيرة جداً ومظاهر هذا التغيير يمكن تلخيصها في كلمتين : ثورة الإتصالات والسماوات المفتوحة والعولمة , أو كما يضعها توفلر(1) في كلمة واحدة : الموجة الثالثة , فهو يقول أن العالم تاريخيا مر بموجتين : زراعية ثم صناعية , ولكل منهما خصائصها , والعالم يمر ألآن بموجة ثالثة لها خصائص مختلفة كثيرا عن الموجة الصناعية , إلى هذا الحد يجب أن ننظر إلى التغيير السريع الهائل الذي يحدث حولنا , وفي ثلاثينيات القرن العشرين عندما وضع المؤسس رؤيته وحدد رسالته لم تكن ملامح هذا التغيير قد اتضحت بعد .
2-    حاجتنا إلى مؤسسات كثيرة للتنوع الكبير في المجالات والزيادة الكبيرة في الأعداد
إن التخصص الذي أضحى سمة العصر , بالإضافة إلى التنوع الكبير في المجالات يظهر حاجاتنا الماسة إلى مؤسسات إعلامية ( منها ما يجب أن يركز على الإنترنت أساساً ) ومؤسسات مالية عالمية , ومنظمات المجتمع المدني (NGO”s) قوية وفاعلة , ومؤسسات تدريبية لإعداد الكوادر المطلوبة للحكم المحلي , ومؤسسات تعليمية بأعداد كبيرة (كما حدث في تركيا حيث أنشأت جمعية النور ألف مدرسة ) , ومؤسسات ثقافية نغطي كل المجالات الثقافية والفنية وبالذات السينما والتلفاز .
كما أن الدخول في السياسة يحتاج إلى اعداد كوادر سياسية , و إلى العمل الحزبي ( الذي لا يرتبط بالعمل الدعوي إرتباطا عضويا ) , ويحتاج إلى مؤسسات للدراسات والتفكير وإعداد الرؤى الإستراتيجية التي على أساسها ستبنى الإحزاب استراتيجيتها ( كما فعل حزب أردوغان في تركيا ).
كما أن الزيادة الكبيرة في الأعداد ( أكثر من مليون منتظم , وخمسة ملايين في المراحل المختلفة , وإثني عشر مليون مؤيد ) يحتاج مؤسسات تربوية تستوعب هذه الأعداد وتحسن إعدادها , كما أن المؤسسة الإدارية نفسها تحتاج إلى تحديث كبير طبقاً لأحدث نظريات الإدارة ليمكنها إدارة هذا العمل الضخم .
3-    ثورة الاتصالات المواصلات والإنترنت
في القرن العشرين كان لبعض الإختراعات تأثير هائل على البشر , مثل إنتشار السينما والتليفيزيون ثم الإنترنت , وزاد تأثير الإنترنت في القرن الحادي والعشرين زيادة لا مثيل لها في التاريخ , وهذه الشبكة توفر محيطا ( وليس بحرا فقط ) من المعلومات , وسهولة بالغة في الإتصال بين البشر , ونشر هائل للثقافة والمعرفة لم تعهده البشر من قبل .
إن التأثر الهائل والواسع للإنترنت لم يزل في بدايته , وسوف يحس المصرييون بتزايد تأثيره في العشر سنوات القادمة زيادة ضخمة جدا , ولعل الدعوة إلى التظاهر التي أشعلت شرارة ثورة يناير 2011 المباركة عن طريق الإنترنت أعطت بداية الإحساس بالتأثير الهائل الذي سيكون لهذه الشبكة  في مصر والعالم .
أما تأثير الإنترنت على الدعوة فحدث ولا حرج , فالدعوة أساسا هي التواصل مع الناس كلهم ودعوتهم , ويقول تعالى في سورة الأعراف " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ......" (الاعراف : 158) ، فلابد أن ندرك أن واجب الدعوة موجه للناس جميعا , والآن منَّ الله علينا بوسيلة يمكن أن نصل بها إلى كل الناس في كل أطراف المعمورة , ولأن الله منَّ علينا بهذه الوسيلة فهو سبحانه لا بد أنه سيسألنا ماذا فعلنا بها , وكيف استخدمناها للوصول للناس جميعا , لأننا أتباع الرسول ويقول تعالى " قل هذي سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " (يوسف : 108) , فلا بد أن ندعوا إلى الله على بصيرة كل الناس في كل مكان على الأرض , والإنترنت يوفر هذا على نطاق عالمي وبسهولة بالغة , مما يجعل النساء والفتيات قادرات على القيام بواجب الدعوة من راحة ودفء منازلهن والوصول للآلاف ( أو ربما مئات الآلاف ) من السيدات والفتيات ليس في مصر وحدها وإنما في العالم أجمع , وقد كان تأثير الإنترنت وغيرها من وسائل ثورة الإتصالات هو الذي دعى شيخ الإسلام الدكتور يوسف القرضاوي إلى أن يقول أن وصف دار الحرب ( مقابل دار السلام) لم يعد قابلا للإطلاق إلا على دول محدودة جدا , لأن باقي الدول تسمح بالإنترنت وإنشاء المساجد ومن ثم فهي تسمح بالدعوة داخلها , وتعطي المسلمين عهودا عند القدوم إليها ( تأشيرة الدخول ) , كما جعلته يرجح أن فتح روما لن يكون بالسيف وإنما بدخول غالبية الإيطاليين ( أو أكثر من نصفهم) في الإسلام , ولعل الأيام تثبت صدق حدسه , وليس في إيطاليا وحدها وإنما في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا كذلك حيث أصبح المسلمون بالملايين .
ولا شك أن وسائل الإتصال الحديثة (والإنترنت على رأسها ) تمثل وسيلة ميسرة وفعالة جدا في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام , وفي دعوة المسلمين في الغرب إلى الفهم الصحيح للإسلام , ولا شك أن الله سائلنا إن لم نحسن إستغلال هذه الوسيلة , والإنترنت لم يكن قد تم اختراعه أيام البنا , فهل إنتشاره هذا الإنتشار الهائل لا يؤثر على رسالة الجماعة وخطتها ووسائلها ؟ , لا شك أن له تأثير بالغا
والعالم أصبح قرية صغيرة , وما يحدث في أي بقعة في العالم يعرفه باقي العالم في نفس اليوم ويتأثر به , ولا شك أن بكاء رئيسة الأرجنتين على ما كان يحدث في غزة إبان العدوان الإسرائيلي الأخير , ونزول رئيس شيلي وزوجته في المظاهرات ضد البلطجة الإسرائيلية وقطع فينزويلا العلاقات مع إسرائيل واعتبارها دولة إرهابية يدلل على قوة التأثير المتبادل , فلو نجح الإسلاميون في إقامة الدولة النموذجية القائمة على مبادئ الإسلام من خير وعدل ورحمة لانتشر الإسلام في العالم إنتشار النور عند الفجر , ولذلك يتكتل أعداء الإسلام لإشعال الحرائق في العالم العربي قلب الإسلام , ويحاولون تأخير قيام هذا النموذج ويحاولون إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام ليوقفوا إنتشاره في أوروبا وأمريكا , ولا شك أن ثورة الإتصالات (الحديثة نسبيا ) ستأثر تأثيرا بالغا على خطة الحركة الإسلامية في العالم كله في المستقبل.
4-    التأثير الجبار للمال والإعلام وضرورة توظيفهما دعويا .
المال هو عصب الحياة , ولا يمكن أن تستمر أنشطة الدعوة قائمة على التبرعات وعلى إشتراكات أعضائها , ولا بد من مؤسسات مالية عالمية تكافئ حجم العمل الدعوي المطلوب واحتياجاته , فالدعوة في حاجة إلى مؤسسات تعليمية وثقافية وتدريبية , وكلها تحتاج إلى تمويل ضخم , وإذا علمنا أن ميزانية الفاتيكان في الستينات كانت ثالث أكبر ميزانية في العالم بعد ميزانيتي الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي لأدركنا حجم الإنفاق على التبشير وعلى الحرب على الإسلام , ولا بد من يواجه هذا الجهد ولو بجهد يكافئ عشرة بالمائة منه .
أما الإعلام فلا يمكن أن نوفَّيه حقه من الإهتمام مهما تكلمنا عنه , فالدعوة إعلام , وإعلام الدولة والفلول كان له الدور الأكبر في شيطنة الإتجاه الإسلامي , وتحويل الرأي العام ضده , ولولا غباء العسكر والقضاء لنجحوا في تشويه صورته لأن الإعلام المقابل تم غلقه , ولا بد من إعلام يصعب اغلاقه لإطلاع الناس على الحقائق , وهذا يحتاج إلى تمويل ضخم وكفاءات يجب أن يبدأ إعدادها من آلان , ولو تأملنا تأثير محطة فضائية قائمة على جهد عائلة أردنية واحدة , وبعض أصداقائهم ومعاونيهم -  على أطفال العالم العربي كله لأدركنا كم سيكون تأثير الإعلام على النشء لو كانت هناك عشرات المحطات الفضائية المماثلة , ومئات الأفلام والمسلسلات التاريخية والدينية , ( والاجتماعية والسياسية ) .
ولا شك أن محطة الجزيرة كان تأثيرها الإخباري عظيما – سواء في مصر أو باقي الوطن العربي – في ظل إعلام يزيف الحقائق , ومنحاز إلى المستبدين , هدفه نشر الفاحشة , ولا شك أيضا أن البديل الإسلامي – وبالذات قناة مصر 25 – لم تكن على مستوى القنوات الرسمية أو قنوات الفلول , وقيل أن السبب مالي في المقام الأول , وعدم وجود كوادر محترفة في المقام الثاني , ولا بد أن تتضمن الخطة المعدلة تركيزا على الإعلام تدريبا وتأهيلا ودعما ماليا , حتى نبلغ دعوة ربنا بأقصر الطرق إلى قلوب المدعوين .
5-    ظهور قوة الشباب والمرأة وزيادة فاعليتهم
إن الدعوة للتظاهر في 25 يناير 2011 كان أساسها شباب من مختلف الاتجاهات , وكان سببها الاعتداء على الشاب خالد سعيد بالإسكندرية , وكان جل المتظاهرين يوم الخامس والعشرين من الشباب , صحيح أن كل فئات المجتمع نزلت يوم 28 يناير في مظاهرات غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث إلا أن الشباب كانوا هم شرارة الثورة ووقودها , وكان دور الشباب في ثورة يناير واضحا لدرجة أن د/ عصام شرف أول رئيس وزراء اختاره الميدان حاول الاستعانة بمجموعة منهم اعترافا بدورهم في هذه الثورة المباركة .
            وازداد دور الشباب وضوحا بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013 , فكانوا هم أكثريه المعتصمين في ميداني رابعة والنهضة , ثم منذ الفض وهم جل المتظاهرين وأصحاب المسيرات ,وطبعا دور الشباب في الجامعات واضح لكل ذي عينين كما أن  دور الأخوات كان واضحا من يوم الجمعة 28 يناير حتى يوم 11 فبراير عندما ترك الشعب المصري الميدان بعد أن فوض المعزول المجلس العسكري بإدارة البلاد , ثم شاركوا مشاركه فعاله في الاعتصامات , وقتل منهم من قتل أثناء الفض ثم شاركوا بقوه في كل المسيرات والمظاهرات بعد ذلك والى الآن , وذلك بالإضافة إلى تحملهن الدور الأكبر في رعاية وزيارة المعتقلين الذين تعدوا الخمسين ألفاً .
والمشاركة الواضحة للشباب والنساء في كل الفعاليات , وبالذات في الفترة الأخيرة أدى إلى تعاظم دورهم , وأدى إلى  أن العودة إلى ما قبل يناير 2011 من تهميش لدور الشباب والمرأة أصبح غير ممكن ولا مطلوب , وسوف يكون لهم نصيب واضح في المناصب الإدارية داخل الجمعية / الجماعة والأعمال المجتمعية والدعوية بعد انحدار الانقلاب – قريبا بإذن الله .
6-    الحضور القوي للإسلام عالميا , ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب به للحد من انتشاره .
بعد سقوط الإتحاد السوفيتي أعلن المنظَّرون والساسة الأمريكيون أن الخطر القادم هو الخطر الأخضر (الإسلام) , ولكي تستمر مصانع الأسلحة الأمريكية في الإنتاج , ولكي تزداد موازنة التسليح الأمريكية لخدمة مصالح رجال المال اليهود بدأت حملة شعواء ضد الإسلام عالميا , وكتب هننجتون كتاب " صراع الحضارات " لينظَّر للحرب على الإسلام , وأعلن بوش الإبن أن من حق أمريكا مطاردة الإرهاب في أي مكان وضربه دون استأذان للدولة التي سيضربه فيها في بلطجة غير مسبوقة في التاريخ .
ووصل الأمر بالمخابرات المركزية الأمريكية إلى التضحية بآلاف الأمريكيين في حادث 11سبتمبر 2001 الشهير , عندما اصطدمت طائرتان بأبراج التجارة العالمية , ولم يذهب كل الموظفين اليهود لعملهم في البرج في ذلك اليوم , كما وصل الأمر بالرئيسين الأمريكي والبرطاني إلى الكذب الصريح على وجود أسلحة الدمار الشامل يملكها صدام حسين لتبرير الغزو الأمريكي للعراق .
وصدر المبدأ الأمريكي " من ليس معنا فهو ضدنا " لحشد التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب , وكل هذه الهستيريا في الحرب على الإسلام ومحاولة إلصاق الإرهاب به – رغم بعض الاعترافات الغبية من تنظيمي القاعدة وداعش – دليلا على خوف حقيقي من الحضور القوي للإسلام عالميا , وحتى الحوادث الإرهابية أدت إلى مزيد من الإهتمام بالإسلام في اوروبا وأمريكا , وانقلب السحر على الساحر كما يقولون , فزاد إقبال الإمريكيين والأوربيين على قراءة القرآن وكتب الدين الإسلامي . وزاد دخول الأوروبيين في الإسلام زيادة كبيرة .
ولما وصلت الجاليات المسلمة إلى ما يقارب ثلاثة عشرة بالمائة في بعض الدول الأوروبية زاد الإحساس بالخطر , لأن معدل المواليد عند المسلمين الأوروبيين من 4-5 أطفال لكل أسرة , أما الألمان فالمعدل لديهم 1.1 طفل لكل أسرة من شخصين , وفي فرنسا المعدل 1.2 , ولذلك فتعداد الألمان نقص في العشرين سنة الأخيرة , وفي نفس الوقت نجد أن أعداد المسلمين في ازدياد مستمر , حتى أن رئيساً فرنسياً قال يدافع عن قانون غطاء الرأس واعتباره رمزا دينيا إننا آلان أغلبية ونفعل ما نريد , وعندما يصل المسلمين إلى النصف في فرنسا – في حدود ثلاثين سنة كما قال – فمن حقهم عندئذ أن يفعلوا ما يريدون .
7-    زيادة عدد المسلمين في أوروبا وأمريكا , وتأثيرهم المستقبلى الكبير
إن أعداد المسلمين في أوروبا وأمريكا في تزايد مستمر , سواء بسبب الهجره او كثره المواليد أو دخول أهل البلاد في الإسلام , فيقدر عددهم في فرنسا بسته ملايين ,وفى كل من بريطانيا وألمانيا بخمسه ملايين , وفى إيطاليا أربعة ملايين , وفى الولايات المتحدة وصل عددهم إلى ثمانية ملايين ليفوقوا عدد اليهود , ويصبحوا ثانى اكبر ديانه في امريكا , وحيث ان معدل المواليد بين المسلمين في أوربا من أربعة إلى خمسة أولاد في الأسرة مقارنة بالمواليد بين الألمان في ألمانيا 1٫1 للأسرة وفى فرنسا 1٫2 لأسرة , فمن المتوقع ان تزيد نسبتهم من النسب الحاليه 5-10 % إلى حوالى الثلث في عقدين من الزمان , وتوقع الرئيس الفرنسي  السابق أن يصلوا إلى النصف في ثلاثة عقود أو أكثر قليلاً .
ولابد أن تولى الحركة الإسلامية اهتماماً كبيراً بالمسلمين في هذه الدول ليس فقط لتزايد تأثيرهم على اختيار قادة هذه الدول , ولكن لحاجتهم إلى الرعاية والتوجيه لزيادة معرفتهم بدينهم وزيادة ارتباطهم به وزيادة ارتباطهم بدولهم الأصلية , وسوف تجنى هذه الدول فوائد جمة نتيجة حياة أبنائها في دول العالم الأول , حيث يتعلمون نواحى التقدم التقنى , ويمارسون الاخلاق والصفات اللازمة للنهضة من إتقان في العمل والتزام وجودة وجدية , ويصبحون مددا لدولهم , ومعين لا ينضب من الخبرات , وقد نبه الدكتور القرضاوى في كتابه القيم " أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة " إلى ضروره الاهتمام بهم منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً , لما سيكون لهم من تأثير مستقبلى كبير على دول كانت وما تزال مصدر الخطر الأكبر والاستعمار والاستغلال للعالم الإسلامي , ومجرد تحييد الاتحاد الأوروبى – حتى ولو لم نستطع تحييد الولايات المتحدة – في الصراع العربي الإسرائيلي سيكون مكسباً كبيراً , بالإضافة إلى تحويل الدعوة المشبوهة لصراع الحضارات إلى تفاعل الحضارات وتعاونها.

8-    التغيير الكبير الذى حدث في العالم الإسلامي , وتأثير ثورات الربيع العربى
إن نظرة سريعة إلى أوضاع العالم الإسلامي في ثلاثينيات القرن العشرين والآن تبيَّن التغيير الكبير الذى حدث لأغلب الدول , فقد كانت اغلبها تحت الاحتلال الاجنبى , وكانت كلها متخلفة حضارياً ولا تملك من أمر نفسها شيئ , اما الان يمكن تقسيم موقف هذه الدول إلى أربعة مجموعات :
1-       مجموعه حققت تقدما كبيراً في التعليم والصناعة وأصبحت في مصاف الدول المتقدمة مثل ماليزيا وتركيا , وتحاول اندونسيا اللحاق بهما .
2-       مجموعه الدول النفطية التى تراكمت لديها عائدات النفط , ولا يبقى إلا أن تفهم شعوبها دورها الحضارى والاسلامى لتكون قوه كبيره دافعه للعالم الإسلامي .
3-      مجموعه حققت خطوات في طريق النهضة والديمقراطية , وإن كان مازال أمامها الكثير لتحققه مثل تونس والجزائر والمغرب والاردن .
4-      مجموعه مازالت ترزح تحت الاستبداد العسكري أو الملكي , أو اشتعلت فيها الحرائق بعد ثورات الربيع العربى او بفعل الامبرياليه العالميه , مثل مصر والعراق وسوريا ولبيا واليمن والمملكه السعوديه .
وعلى الحركة الإسلامية دوراً تنويراً كبيراً لدفع المجموعات الثلاث الأخيرة وتوعيه شعوبها بما يريده الله منها , وبدورها لعودة العالم الإسلامي إلى مكانته الطبيعية في صدارة الأمم , ومساعدتها في أن تصحح نظرتها وتستعيد عافيتها , وتبدأ السير في طريق الديموقراطية والنهضة , مستنيرة بقرآنها وسنه نبيها , ولابد ان تراعى الحركه الإسلامية السنن الكونيه مثل :
1-        التدرج :  وهو تحقيق التقدم خطوه بخطوه .
2-        التغيير :  وهو أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
3-        الأخذ بالأسباب :  وإتباع الأسباب (كل الأسباب)  كما اوضحت اواخر سوره الكهف
4-        صعود وسقوط الحضارات :  وان سبب الصعود والسقوط هو سبب داخلى اساسا " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا , قل هو من عند انفسكم " (آل عمران : 165).
5-        التمكين :  وأسباب التمكين من وصول القيم والممارسات في جيل التمكين إلى ان يكون هو جيل النصر المنشود , وان الابتلاء والتمحيص يسبق التمكين ..الخ
ولابد أن تراعى الحركة الإسلامية في قطر من الأقطار – وفى مصر بالذات ــ هذا البعد العالمي , وأن تضع إستراتيجيتها على أساس استراتيجيه مصر كدولة , يراعى فيها البعد الجغرافى (عبقرية المكان ) والبعد التاريخى ( أن مصر كانت دائماً وستظل هي التي تقود العالم العربي في وجه أشد المخاطر التى واجهته ) , وتأثير مصر الذى لا ينكر في محيطها العربى ثقافيا وسياسياً وتعليمياً وحضارياً , ولابد من الاستفادة من التجربة التركية التى تحقق بها المركز السادس عشر في ترتيب الدول اقتصادياً على مستوى العالم , والاستفادة بالثروات النفطية الهائلة في دول الخليج , والثروات الطبيعية : زراعية وتعدينية في كثير من الدول الإسلامية وبالذات السودان وأفغانستان .
9-     الحاجة الماسة إلى الإنفتاح على الآخر وخاصة في ضوء الاستقطاب الحاد الذى حدث
إن الاستقطاب الحاد الذى نجح الانقلابيون في تغذية روافده واللعب على أوتاره في وسائل الإعلام المملوكة للدولة وللفلول على حد سواء ينذر بعواقب وخيمة , وقد كان توجيه الإمام البنا لأتباعه هو القاعدة الذهبية التي وضعها الأســتاذ رشــيد رضا " نعمل فيما اتفقنا فيه , ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه " , ورغم ذلك فالممارسة لم ترق إلى مستوى هذه القاعدة الذهبية , وقد ساعدت بعض ممارسات أعضاء الحركة في نجاح الانقلابيين في نشر هذا الاستقطاب في المجتمع , ولاشك ان الحركة الإسلامية الآن في حاجة ماسة – أكثر من أى وقت مضى – إلى خطاب مختلف , توجهه وتستطيع التواصل به مع الفئات المختلفة في المجتمع :
رجال الأعمال ــ العمال والفلاحين – الليبراليين والمثقفين – أهل الفن – العاملون في السياسة وهم أخطر وأهم هذه الفئات .
ولاشك أن ثقافة الانفتاح على الآخر تبدأ من تربية النشء المسلم , وقد أُظهرت الممارسات التي تمت بعد ثورة يناير , وبالذات بعد الانقلاب أننا بحاجة إلى تغيير جذري في تربية الأفراد " لإعادة صياغة الشخصية الإخوانية " القادرة على الانفتاح مع الآخر, والتعاون والتآزر مع أبناء الوطن – من غير الإسلاميين - لما فيه تقدم وازدهار هذا البلد المسكين .
إن استمرار هذا الاستقطاب الحاد لن يفيد منه إلا أعداء الإسلام وأعداء الأمة في الداخل والخارج , ولكن إنهاؤه لن يكون بالأمانى والخطب والمقالات إنما بتغييرات جذريه في مناهج التربية تؤدى إلى :
-          انفتاح على ثقافات الآخرين – وبالذات فى ضوء أن الدعوة أصبحت عالميه عن  طريق الانترنت – فلابد من قراءه ما لدى الثقافات الأخرى والتواصل مع أبنائها ثقافيا
-          تغيير في  الأطر العقلية بحيث لا يقوم افرادنا بتنميط الاخرين , ويصبحون قادرين على الاستماع إليهم بتعاطف وفهم وجهه نظرهم وصولاً إلى التعاون والتآزر معهم .
-          تغيير في مفردات الخطاب , وإزالة كل ما هو إقصائي أو أننا لا نحاور القوم حتى يعلنوا موافقتهم على أن الحاكمية لله , وإزالة كل ما له علاقة بالعزلة الشعورية والمفاصلة وكل هذه المفردات التى طرحها الشهيد سيد قطب والأستاذ المودودى وساعدت في الوصول إلى الحالة الراهنة .
10-        التحدي الضخم نتيجة الغزو الثقافي , وانهيار ثقافه المصريين وقيمهم :
عندما وقف وزير الثقافة السابق الذي يحب المثليين وقال في مجلس الشعب أن دور وزاره الثقافة هو تغيير وجدان الشعب المصري أدرك كل غيور على دينه أن هذا التغيير سيكون في اتجاه انهيار القيم الأساسية , وإذا اخترنا أهم عشر قيم أساسية في المجتمع وعقدنا مقارنة سريعة بين هذه القيم العشرة أيام الإمام البنا وفى أيامنا هذه لأدركنا بوضوح ان هناك تراجعا ملحوظا فيها كلها , فكيف نصل إلى هدفنا في المرتبة الثلاثة ــ وهى مرتبه إرشاد المجتمع ــ إذا كنا لا نقترب من تحقيق هدفنا في تحسين قيم المجتمع , أو جعلها أكثر قرباً من القيم الإسلامية , فإذا كنا نبتعد عن الهدف فكيف سنصل إليه , لن نصل إليه أبداً .
ولذلك فلابد أن يقف علماء الاجتماع مع العلماء الشرعيين وقفة جادة لتحديد أسباب استمرار تباعد القيم الأساسية عن الإسلام , وكيفيه التغلب على مكر الليل والنهار الذى يمارسه أعداء هذه الأمة في الداخل والخارج , مما أدى إلى هذا الغزو الثقافى .
ولاشك أن امتلاك هؤلاء الأعداء  لناصية الإعلام المرئي والمسموع (السينما والتلفاز والراديو) والإعلام المقروء ( الصحف والكتب – والآن الإنترنت كذلك ) سبب قوي في هذا الغزو الثقافي , وفى استمرار تباعد الأمة عن قيمتها الإسلامية , ولاشك أن ضعف الحركة الإسلامية في المجالين الثقافي والإعلامي سبب قوى أيضا , ولابد من دراسه جاده لكل الاسباب , وسبل مواجهتها لوقف انهيار القيم , ومحاوله الوصول إلى تحسين قيم المجتمع وصفات النهضه التى لابد من توافرها في أي شعب لكي ينهض .
والغزو الثقافي ليس قاصراً على البعد عن القيم الإسلامية الأساسية وإنما يحاول أيضاً نشر الفاحشة , ورغم التأثير القوى للسينما والتلفاز في ذلك إلا أن تأثير الانترنت فاق أى تأثير أخر على مر التاريخ , فالفاحشة تتسلل الآن إلى بيوتنا , ويراها أبنائنا وبناتنا مجانا , وهى لست في ثوب فنى (كالسينما والتلفاز) وتخضع لرقابة الدولة ( مهما كان رأينا فيها ) انما هى جنس صريح , ووسائل اتصال بأعوان الشياطين , وإغراءات ليس لها مثيل من قبل , ولا نجاه من هذه الكارثه الا بالتحصين , ولذلك فلابد من تبصير الآباء والأمهات بهذه الكارثة المحققة , ودعوتهم للإحساس بمسؤليتهم عن أولادهم وبناتهم , ومساعدتهم في وقايتهم لأن الوقاية خير من العلاج .
ولاشك أن هذا تحدى ضخم جدا يواجه الحركة الإسلامية , ولم يكن له وجود إطلاقاً أيام الإمام البنا , ويحتاج إلى تضافر جهود كثير من العلماء والمربين والاعلاميين , لان الشيطان دخل إلى كل بيت ليفسده , حتى أظن أن هذه إحدى صور فتنة المسيخ الدجال , والتي هى اكبر فتنه ستواجه البشر , والتى لم يترك نبى قوم والا حذرهم منها .
11-        انحسار حقبة الاستبداد السياسي عالمياً وانهيار الأيديولوجيات :
لم ينتهى القرن العشرين الا وقد حدث أمرين فارقين في تاريخ البشرية , أولهما انهيار الاتحاد السوفيتى وتخلى الصين عن الشيوعية وإتباعها اقتصاد السوق , والأمر الثاني إنحسار حكم العسكر عن كل اوروبا وكل امريكا اللاتينيه , وكل اسيا ماعدا تايلاند , ولم يبق إلا بضع دول في إفريقيا , كما اتجهت جل الدول للديمقراطية كنظام للحكم , ماعدا الدكتاتوريات العسكرية والنظم الملكية المستبدة , وهى أيضاً إلى زوال في اقل من عقد من الزمان – ان شاء الله .

ولذلك كتب فوكوياما كتابه " نهاية التاريخ " (2) , على أساس أن النظام الليبرالي الرأسمالي انتصر , وان العالم كله سيصبح متماشيا معه , ولكنه نسي ان " المستقبل لهذا الدين " (3) - ان شاء الله – ولكن كيف ؟.
أولاً :  لابد أن تكون الحركة الإسلامية من المرونة بحيث تستفيد من النظام الليبرالى الرأسمالى , حتى ولو كان الدستور علمانياً – إلى حين – كما فعل أردوغان , أما أن تصادم نواميس الكون كما فعل أربكان فقد اكتشف أنها غلاَّبة , ولذلك يحاول أردوغان الاستعانة ببعضها على البعض الآخر.
ثانياً : لابد أن تتوقف الحركة الإسلامية عن الجدل العقيم حول هل الشورى أكثر قرباً للإسلام أم الديموقراطية , فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء , والنظام الليبرالي الذى يوفر حرية الاعتقاد وحرية الدعوة للكل المفروض أن يكون هو الأمثل للحركة الإسلامية إن أحسنت استغلاله , ولابد أن ندرك أن أعداء الإسلام يغذون أفكار التطرف في العقل المسلم لأنهم يعرفون أن أقوى مافى هذا الدين هو وسطيته , ولكن كثيراً من أبناء الحركة الإسلامية لا يدركون هذا .
ثالثاً :  ليت الحركة الإسلامية لا تحارب طواحين الهواء , فالشيوعية انهارت كأيديولوجيه إلى غير رجعه , والنظام الليبرالي الديمقراطي ليس بينه وبين النظام الإسلامي إلا تحسينيات , ودائما ما تُجر الحركة الإسلامية إلى معارك جانبية , ودائماً ما تتصور أن تطبيق الشريعة هى رأس الأمر وعموده وأنه لا مفاصلة في ذلك ، رغم أن هناك أمور أولى وأوجب , ولو عالجتها الحركة الإسلامية لكان الوصول إلى تطبيق الشريعة أيسر , ولكنها عقلية إما (كل شئ أو لا شئ) , وعقلية أننا لا نخاطب القوم ولا ندعوهم ولا نجادلهم حتى يعترفوا بالحاكميه لله , ولاحول ولا قوه الا بالله ، ليتنا نستفيد من النظام الليبرالي النيابي في تحقيق النهضة والتنمية كما فعل أردوغان , ثم نكون قد وصلنا إلى التربة الأصلح للتركيز على الشريعة وتطبيقها , أما الآن فلا يمكن أن نكلم الناس في تطبيق الشريعة وقد عضهم الفقر وداهمهم الجوع والحرمان , فعَّلوا فقه الأولويات يا أولى النهى يرحمكم الله .
12-        الوضع الراهن للقضية الفلسطينية والتراجع الواضح لأهمية الصراع العربي الإسرائيلي :
إن فلسطين هى قضية العرب والمسلمين المركزية منذ قيام إسرائيل سنه 1945 – أو هكذا يجب أن تكون -, وقد اخذت المواقف العربيه تتراجع من إلقاء إسرائيل في البحر إلى اتفاقيه كامب ديفيد إلى التعاون الاقتصادي الآن , مازالت اسرائيل تضرب غزه ضربا وحشيا كل بضع سنين لأن حماس هى ممثل المقاومة الوحيد في العالم العربي كله , ولو اختفت حماس لاختفت معاني الجهاد والمقاومة والاستشهاد في سبيل الأرض والعرض .
إن الحركة الإسلامية موضوعه أمام معضلة يمثلها الوضع الراهن لقضية فلسطين ويراجعها عربياً , وهى بحاجه لفصل ما هو دعوى عن ما هو سياسي , لأن الأحزاب – حتى ولو كانت مرجعيتها إسلامية – مضطرة لأن تتمشي مع الاتفاقات والمعاهدات إلى أن تستطيع تغييرها , ولأن الصراع مع العدو الصهيونى صار ليس صراعاً مسلحاً فقط الآن وأصبح غير ممكن البعد عن الأخذ بأسباب القوه الأخرى مثل الإعلام , القوه الروحية ثم قوة الوحدة , وقوة الساعد والسلاح والتقنية الحديثة , وهذه لا يتحقق إلا بالنهضة , والنهضة والتنمية تحتاج إلى ثلاثة عقود من الاستقرار حتى تؤتى ثمارها , فكيف سيكون التعامل مع الكيان الصهيونى خلال هذه العقود الثلاثه ؟.
فإذا فصلت الحركة الإسلامية ما هو دعوى عن ما هو سياسي أمكنها أن تدعو الناس إلى الجهاد لإعداد العدة , جهاد بالمال والعلم والعمل , مع تأجيل الجهاد المسلح حتى نتم استعداداتنا ونستعيد وعينا بأهمية هذه القضية , وفى نفس الوقت تلتزم الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بالعهود والمواثيق , ونعمل على الحصول على فتره استقرار لا تقل عن عشرين سنة , ولو  بشروط مجحفة كما في صلح الحديبية تحقيقاً لمصلحة الدعوة في التقدم والنهوض , ولابد من معالجه لمشكله الفقر والمرض أولا , ثم تنميه حقيقة بعد ذلك تجعلنا لا نعتمد في أكلنا وكسائنا حتى سلاحنا على أعدائنا .
اسأل الله ان تكون متطالبات التحديث الجذرى لرؤية ورسالة وخطه الحركة الإسلامية قد أصبح واضحاً لكل ذى عينين , وأن لا نؤخِّر النقد الذاتى ودراسة ما نجحنا فيه وما أخفقنا فيه منذ البعث الثاني للجماعة (منذ أربعين سنة ) أكثر من ذلك , لأن الازدواجية ( الفعل – النقد ) هى ضمان نجاح العمل , وأن نقيس قياساً علمياً مدى اقترابنا أو ابتعادنا عن تحقيق مراتب العمل وأسباب ذلك هي سبيل تصحيح المسيرة , فندعم ما نراه جيداً ونصلح ما نراه كان سبباً في تأخير النصر وعدم الاقتراب من الأهداف .
متطلبات تحديث الدعوة باهرة الوضوح , والمبادرة إلى مراجعة ما تم وضعه من سبعين سنة أصبح واجباً لا يتم الواجب إلا به , فهيا إلى العمل لأنه يستغرق وقتا وجهدا ليس بالقليل كما سنوضح في الأوراق التالية .
أقول قولي هذا وأردد ما قاله مؤمن آل فرعون " فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله , إن الله بصيرٌ بالعباد " (غافر: 44)
استقبال طره  -   15 فبراير 2015
المراجع :
1-      " الموجة الثالثة " توفلر 1985
2-      " نهاية التاريخ " لقوكوياما 1992
3-      " المستقبل لهذا الدين " لسيد قطب 1985

1 comment: